نحو حياة أفضل

متفرقات

نحو حياة أفضل

 

 

 

 

كل إنسان عبارة عن تاريخ مقدّس. ولكنّ هذا التاريخ، ويا للأسف الشديد، لم يُكتَب منه، خلال ما مضى من العمر، سوى أسطر قليلة. أمّا البقية فأغلبنا لا يعرف كيف يُعبّر عنها، ومن حقّ كل فرد أن يعيش حياته بالملء. فواجبي الأوّل هو أن أُخرج جميع الطاقات الكامنة في داخلي إلى سطح الواقع.

 

ومن يهمل هذا الأمر يكون قد أهمل أهمّ واجباته الدينيّة والروحيّة. فلقد منحنا الله ذواتنا في صورة بذرة، فإذا قلت له في نهاية حياتي: هذه البذرة التي أعطيتني إيّاها، أردّها إليك كما هي، سيقول لي كما قال للعبد صاحب الوزنة الواحدة:

"خذوا منه الوزنة واعطوها للذي معه الوزنات العشر: لأنّ كلّ مَن كان له شيء، يُعطى فيفيض. ومَن ليس له شيء، يُنتَزَع منه حتّى الذي له. وذلك الخادم الذي لا خير فيه، ألقوه في الظلمة البرّانية. فهناك البكاء وصريف الأسنان". متى 25/28-30.

وأكبر جريمة نقترفها في حقّ أنفسنا هي عدم استثمار المواهب التي أعطانا الله إيّاها.

 

في داخل كلّ منّا كنزُ ثمين، وحركة الحياة هي انبساط لجميع الطاقات المدفونة فيه. لأنّه، في داخلّ كلّ منّا، كنوز من الحبّ والعطاء والذكاء وما إلى ذلك، وسَنحاسب على كلّ موهبة من مواهبنا، وكل مَلَكَة من ملكاتنا تركناها مهدرة ومهملة.

إن واجب استثمار هذه المواهب والطاقات التي في داخل كلّ منّا لهو أهمّ من واجب الصلاة والصوم.

 

 

لقد ادخلت المسيحية مفهوماً جديداً للتاريخ يمكن أن نصفه بأنّه تصاعدي، بعكس ما كان سائداً في المجتمعات والأديان الأخرى، وما لخّصه كاتب سفر الجامعة بهذه الكلمات: "ما كان فهو الذي سيكون وما صُنع فهو الذي سَيُصنع فليس تحت الشمس شيء جديد". جا 1/9

 

الأمس كاليوم، واليوم كالغدّ... كلّ يوم، تشرق الشمس وتغيب، فلا جديد. لكنّ المسيحية أدخلت مفهوم تاريخ الإنسانية اللولبيّ. فإنّ هذه الدائرة، حين تتكرّر، لا تبدأ من نقطة البداية، بل تكون قد تقدّمت خطوة إلى الأمام في اتّجاه تصاعديّ لولبيّ، يجعل الإنسان يتقدّم نحو هدف سمّاه تيّار دي شاردان نقطة أوميغا، وهي حرف يوناني يقابل حرف الياء. وإذاً فإنّ تاريخ الإنسانية يتّجه نحو هدف أمامنا يمكن أن نسمّيه نقطة أوميغا أو ملكوت السماوات او الإنسان الكامل أو قمّة التاريخ.

 

الأب هنري بولاد اليسوعي