مِن قُلوبِهم، تَنبَعِثُ المَقاصِدُ السَّيِّئةُ

متفرقات

مِن قُلوبِهم، تَنبَعِثُ المَقاصِدُ السَّيِّئةُ

 

"كُلُّ مَن يَرتَكِبُ الخَطيئَة يَكونُ عَبداً لِلخَطيئَة" (يوحنا 8، 34).

 

 

ستكون هذه الأيّام مكرّسة لدراسة الفضائل في أخلاقيّة الحياة، موضوع ذات أهميّة أكاديميّة يحمل رسالة مهمّة للثقافة المعاصرة وهي أنّ الخير الذي يقوم به الإنسان هو ثمرة القلب المستعدّ والخيار الحرّ الذي يتوق إلى الخير.

 

 

يقول لنا الكتاب المقدّس بأشكال مختلفة أنّ النوايا الصّالحة أو الشرِّيرة لا تأتي من خارج الإنسان وإنّما تنبع من القلب. ويسوع يؤكّد لنا قائلاً: "مِن باطِنِ النَّاس، مِن قُلوبِهم، تنبَعِثُ المَقاصِدُ السَّيِّئةُ" (مرقس 7، 21).

 

بحسب الكتاب المقدّس ليس القلب مكان العواطف وحسب وإنّما مكان القدرات الروحيّة والعقل والإرادة أيضًا، إنّه مركز القرارات وأسلوب التفكير والتصرّف. إنّ القلب هو اختصار البشريّة التي كوّنتها يدا الله والتي نظر إليها الخالق برضى فريد، لأنّ الله قد أفاض حكمته في قلب الإنسان.

 

 هناك بعض التوجهات الثقافيّة في زمننا لا تعترف ببصمة الحكمة الإلهيّة في واقع الأمور المخلوقة ولا في الإنسان حتّى، الأمر الذي يحوّل طبيعة الإنسان هكذا إلى مجرّد مادة قابلة لأن تصقل بأي شكلٍ كان، فيما أنّ بشريتنا فريدة وثمينة في عينيّ الله. لذلك فإنّ بشريّتنا هي أوّل طبيعة ينبغي علينا أن نحافظ عليها لكي تُثمر؛ كما علينا أن نمنحها هواء الحريّة النقيّ وماء الحقيقة المنعش ونحميها من سموم الكبرياء والكذب.

 

 إنّ الفضيلة هي التعبير الأكثر أصالة عن الخير الذي يمكن للإنسان أن يحقـِّـقه بفضل مساعدة الله، "فهي لا تسمح للإنسان بأن يقوم بأعمال صالحة وحسب وإنّما بأن يقدّم أفضل ما عنده" (التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكية، 1803).

 

إنّ الفضيلة ليست مجرّد عادة وإنّما هي الموقف المتجدّد والدائم لاختيار الخير؛ كما وأنّها ليست مهارة يمكن اكتسابها خلال فصل دراسيّ وإنّما هي التعبير الأسمى عن الحريّة البشريّة، إنّها أفضل ما يمكن لقلب الإنسان أن يقدّمه.

 

 يقدّم لنا الكتاب المقدّس ديناميكيّة القلب القاسي والمتصلّب: فكلّما كان القلب منحرفًا نحو الكبرياء والشرّ أصبح من الصعب أن يتغيَّر. ويقول لنا يسوع: "كُلُّ مَن يَرتكِبُ الخَطيئَة يَكونُ عَبداً لِلخَطيئَة" (يوحنا 8، 34). فعندما يفسد القلب تكون التبعات خطيرة على الحياة الاجتماعيّة كما يذكّرنا النبيّ إرميا: "أَمَّا أَنتَ فإِنَّما عَيناكَ وقَلبُك على المَكاسِبِ وسَفكِ الدَّمِ البَريء والظُّلمِ والعُنفِ لارتكابها" (إرميا 22، 17). وبالتالي وحده عمل الرّوح القدس قادر على إصلاح قلبنا إن تعاونا معه.

 

 هناك اليوم العديد من المؤسَّسات الملتزمة في خدمة الحياة وهي لا تُعزِّز أعمالاً صالحة وحسب وإنّما الشّغف من أجل الخير أيضًا. فالحديث عن الفضائل يعني التأكيد على أنّ خيار الخير يشمل الشّخص البشريّ بأسره. وحتّى في إطار أخلاقيّة الحياة لا تكفي القوانين الضروريّة وحدها لتحقيق خير الإنسان بشكلٍ كامل، لأنّ وحدها فضائل الشّخص الذي يعمل من أجل تعزيز الحياة هي الضمانة الأكيدة بأنّه سيتمُّ احترام الخير فعلاً.

 

فاليوم لا تنقصنا المعرفة العلميّة ولا الأدوات التقنيّة القادرة على تقديم دعم للحياة البشريّة في الأوضاع التي تظهر من خلالها هشّة وضعيفة، ولكن أحيانًا تنقصنا الإنسانيّة.

 

أشجّع الجامعات لتأخذ بعين الاعتبار هذه الأمور في برامجها المخصَّصة للتنشئة لكي يتمكّن التلاميذ من أن ينضّجوا استعداد القلب والعقل الضروريَّين لقبول الحياة البشريّة والعناية بها. كما وأدعو مدراء المؤسَّسات الصحيّة لكي يعملوا على أن يأخذ الموظّفون بعين الاعتبار الجانب الإنسانيّ كجزء جوهريّ من خدمتهم.

 

في الواقع وكما أنّ الكنيسة لا تنمو بالإقتناص بل بالجذب، هكذا أيضًا يمكن الدفاع عن الحياة البشريّة وتعزيزها بشكلٍ فعّال فقط من خلال التعرّف عليها وإظهار جمالها. فمن خلال عيش الشفقة الصّادقة والفضائل الأخرى ستصبحون شهودًا مميّزين لرحمة أب الحياة.

 

 إنّ الأُمنية التي أوجّهها لكم هي أن تكون أعمال هذه الأيّام خصبة فتترافقون مع الذين تلتقون بهم خلال خدمتكم في مسيرة نمو في الفضائل. أشكركم وأسألكم أن تصلّوا من أجلي.

 

 

 

 كلمة البابا فرنسيس للمشاركين في الجمعيّة العامة للأكاديميّة الحبرية للحياة - الفاتيكان.