ملكوت السموات

متفرقات

ملكوت السموات

 

 

ملكوت السموات

 

 

ملكوت السموات ليس موضوع  نحصل عليه من خلال صراع حاد، ولا يمكن تحقيقه في عالمنا بجهود كبيرة. الملكوت، أي وصول البشر إلى ملء إنسانيتهم، قوته فيه ومنه، والتي في قوة الخلق عينها.

 

 فإذا كان من الممكن مقارنة الملكوت مع ولادة النباتات، فلأن هذه الأخيرة هي مخلوقة على صورة الملكوت: كل شيء يشبه الله بطريقته الخاصة. فما الذي يقوله لنا هذين المثلين (مر 4، 26 - 34) أولاً لا وجود لا لحصاد ولا لشجرة إن لم يكن هناك من يزرع البذرة. من الذي يزرع؟

 

هناك أمثال أخرى اعتدنا عليها أكثر تقول لنا بأن ابن الإنسان، أي المسيح هو الذي يزرع. ولكن هل يمكن للمسيح أن يزرع من دون علمنا؟ مجمل الإنجيل يقول لنا عكس ذلك. لا بل أكثر، فالكمة الإنجيلية، الكلمة ـــــــ البذرة، هي اليوم منتشرة في العالم من خلال التلاميذ.

 

فالزارع إذن هو في الوقت عينه المسيح والمؤمنين. المسيح يزرع من أجلنا، ولكن نحن ننتج البذرة. فلا يمكننا سوى أن نستقبلها وننقلها. آنئذ يتم زرع الحقل.

 

المثل الثاني، مثل حبة الخردل يشدد على تواضع البدء، على الطابع الغير المرئي إلى حد ما للبذرة التي ستعطي شجرة كبيرة.

 

 حبة الخردل، أصغر الحبوب، أي أنها تقريباً لا شيء، تحتوي على كل شيء. هكذا الأمر في العالم: كلمة المؤمنين تبدو ضائعة ضمن تنافر ونشاذ الخطابات، وأخذ المواقف. وكثير من المسيحيين يتساءلون هل المسيحية في تراجع أم في تقدم؟ أين نحن من المسيحية الأولى التي انتشرت بسرعة هائلة وفي جميع أنحاء العالم؟

 

والإنجيل يُفهمنا بأنه لا داعٍ للقلق بهذا الخصوص. فالكلمة تشق طريقها. والملكوت، بشكل خفي، يأخذ كل أبعاده، ويحتل كل الأرض. فلا يمكن كبحه أبداً.

 

الزارع في المثل الأول، على مثالنا، ليس له أية سلطة على نمو البذرة. هذا الأمر يتجاوزنا، ويفلت من سيطرتنا. مهما فعلنا، مجرد أن تم زرعها، تقوم البذرة بعمل الولادة. من منّا له سلطة على نموه الشخصي؟ كلنا نعلم أن نمو وتطور الإنسان يتم خارجاً عن إرادته.

 

 فقط في بعض الحالات النفسية التي نعرفها، حيث يرفض الإنسان نموه ودخوله في عالم البالغين، بشكل لا واعي طبعاً، ولكن حتى في هذه الحالات رفض النمو ليس بإرادته. هذا الأمر يمكنه أن يخفف من همومنا بخصوص أن نرى أو لا نرى النتيجة، قلقنا بخصوص ما يمكننا القيام به أو تجنبه.

 

 في أغلب الأحيان نتصرّف كما لو أننا نحن فقط من يعمل، كما لو أن الله لا يعمل شيئاً. بينما علينا أن نعمل بدون شك، لكن كما لو أن الله يقوم بكلّ شيء. إننا نعمل عمل الله، العمل الذي يقوم به الله. 

 

 الملكوت في المثل الثاني، هو صورة عن تلاقي وتجمع كلّ البشر لدى هذه الشّجرة الأكبر من بين الأشجار. صورة عن السّلام والخصوبة. فالعشّ هو مكان الولادة. والأسطر الأخيرة تقول لماذا يتكلّم يسوع بالأمثال. على عكس نصوص أخرى من الإنجيل، المثل مُقدّم لنا هنا كعمليّة موجّهة لفهم الكلمة. في هذه الجمل، هناك صدى لحنان الله مقابل ضعفنا.

 

باختصار هذين المثلين يقولان لنا بأنّ قوّة الخلق، قوّة الملكوت بداخلنا وتعمل فينا. وما علينا سوى أن ندعها تعمل بدلاً من قمعها فتقودنا حتماً لنصبح أكبر الأشجار يعشش فيها مختلف فئات الناس فيولدوا ولادة جديدة.

 

 

الأب رامي الياس اليسوعي.