عُقد في ميونيخ بألمانيا في الثلاثين من حزيران يونيو وحتى الثاني من تموز يوليو الجاري الدّورة الرّابعة من مبادرة "معًا من أجل أوروبا" وللمناسبة وجّه الأب الأقدس رسالة فيديو للمُشاركين قال فيها:
لقد اجتمع في ميونيخ العديد من الحركات والمجموعات القادمة من كنائس وجماعات مختلفة للمشاركة في لقائكم الذي يحمل عنوان "لقاء – مصالحة – مستقبل". لقد حان الوقت لنقف لنواجه بروح أوروبيّة حقيقيّة مشاكل زماننا. بالإضافة إلى بعض الجدران المرئيّة تتعزّز أيضًا تلك غير المرئيّة التي تتوق إلى تقسيم هذه القارة. جدران ترتفع في قلوب الأشخاص. جدران مصنوعة من خوف وعدائيّة ونقص التفهُّم لأشخاص من أصول أو قناعات دينيّة مختلفة. جدران أنانيّة سياسيّة واقتصاديّة لا تحترم حياة وكرامة كلّ شخص.
أوروبا تجد نفسها في عالم معقـّد ومتحرّك ومعولم وإن اعترفنا بهذه المشاكل التي تميّز هذه الحقبة علينا أن نتحلّى بالشّجاعة لنقول: نحن بحاجة للتغيير! إنّ أوروبا مدعوّة لتتأمّل وتسأل نفسها إن كان إرثها الكبير المطبوع بالمسيحيّة ينتمي إلى متحف ما أم أنّها لا تزال قادرة على أن تُلهم الثقافة وتُعطي كنوزها للبشريّة بأسرها.
لقد اجتمعتم لتواجهوا معًا هذه التحديات المفتوحة في أوروبا وتُظهروا شهاداتِ مجتمع مدنيّ يعمل في شبكة لاستقبال الأشدّ ضعفـًا والفقراء والتضامن معهم من أجل بناء جسور وتخطّي النزاعات. إنّ تاريخ أوروبا هو تاريخ لقاء مستمرٍّ بين السَّماء والأرض: السَّماء تشير إلى الانفتاح على الله الذي قد ميّز منذ الأزل الإنسان الأوروبيّ؛ والأرض تمثل قدرته التطبيقيّة والملموسة لمواجهة الأوضاع والمشاكل.
أنتم أيضًا أيّتها الجماعات والحركات المسيحيّة التي ولدت في أوروبا، أنتم حملة مواهب متعدّدة وعطايا من الله لتضعوها في تصرّف بعضكم البعض. "معًا من أجل أوروبا" قوّة ترابط وتماسك ذات هدف واضح ينبغي أن يُترجم بواسطة القيم المسيحيّة الأساسيّة كجواب ملموس إزاء تحديات قارة في أزمة.
إنّ أسلوب حياتكم يقوم على المحبّة المتبادلة المُعاشة بجذريّة إنجيليّة. إنّ ثقافة المبادلة تعني أن نلتقي بعضنا البعض ونقدِّر بعضنا البعض ونقبل بعضنا البعض ونعضد بعضنا البعض. يعني أن نثمِّن تنوّع المواهب بشكلٍ يقود نحو الوحدة ويغنيها. إنّ حضور المسيح بينكم، الواضح والملموس، هو الشّهادة التي تحملنا على الإيمان.
كلّ وحدة حقيقيّة تعيش من غنى الاختلافات التي تكوّنها – تمامًا كما تكون العائلة أكثر اتّحادًا عندما يتمكّن كلّ فرد من أفرادها من التعبير عن ذاته وبدون خوف. إذا كانت أوروبا بأسرها تريد أن تكون عائلة شعوب ينبغي عليها أن تعيد الشّخص البشريّ إلى محورها وتكون قارة منفتحة ومُضيفة وتحقـِّـق باستمرار أشكال تعاون لا اقتصاديّة وحسب وإنّما أيضًا اجتماعيّة وثقافيّة. إنّ الله يحمل الحداثة على الدّوام. كم من مرّة قد اختبرتم هذا الأمر في حياتكم! هل نحن منفتحون اليوم أيضًا على مفاجآته؟ أنتم الذين أجبتم بشجاعة على دعوة الرّب قد دُعيتم لتُظهروا حداثته هذه في حياتكم فتحملوا هكذا ثمار الإنجيل. ثمار أينعت من جذور مسيحيّة تُغذي أوروبا منذ ألفيّ سنة!
حافظوا على نضارة مواهبكم وحافظوا على هذا الـ"معًا" حيًّا ووسِّعوه! اجعلوا من بيوتكم وجماعاتكم مختبرات شركة وصداقة وأخوّة قادرة على إدماج الآخرين ومنفتحة على العالم بأسره. معًا من أجل أوروبا؟ إنّه أمر ضروريّ اليوم أكثر من أي وقت مضى. في أوروبا المتعدّدة البلدان اشهدوا أنّنا أبناء الآب الواحد وإخوة وأخوات فيما بيننا. كونوا بذرة رجاء ثمينة فتكتشف أوروبا مجدّدًا دعوتها في الإسهام بوحدة الجميع.
إذاعة الفاتيكان.