معنى الشهادة المسيحيّة مع المسيح

متفرقات

معنى الشهادة المسيحيّة مع المسيح

 

 

معنى الشهادة المسيحيّة مع المسيح

 

 

 

 

في خضمّ عالمٍ يعيش اللامبالاة تُجاه العنف والاضطهاد الّذي يواجهه المسيحيّون وغيرهم من المؤمنين، أصبحنا نعاين بيلاطس البنطي أينما كان، هو الّذي غسل يديه من كلّ مسؤوليّة للجريمة الّتي أُرتكبت بحقّ سيّدنا يسوع المسيح.

 

وكم من مرّةٍ كان العالم شاهدًا لأمثلة أُخرى تقول: "هذا هو الرَّجل"، من خلال الكثيرين من السُّجناء الّذين وجدوا أنفسهم في مواقف مشابهة للموقف الّذي اختبره يسوع في بلاط بلاطس البنطيّ، وحيدين مكبّلين معذّبين مرميّين تحت أقدام جنود لا رحمة عندهم يملؤهم الحقد.

 

إنّ مسيحنا لهوَ في ألمٍ مستمرٍّ حتّى ينتهي عالمنا من تعذيب الرِّجال والنساء بالطرائق الّتي نهجها المتسلّطون مع يسوع قبل ألفي سنة. إنّ جنون القتل المتفشّي ضدّ المسيحيِّين والمؤمنين على حدٍّ سواء، مستمرٌّ في وحشيّته أمام عجز البشريّة عن مقاومته.

 

جميعنا، جمعيّات وأبناء المجتمع الغربيّ، أمام خطر التشبّه ببلاطس الّذي غسل يديه أمام يسوع البريء. إنّ مشكلة العنف أصابتنا كما الطاعون، صدمتنا أمام الطرائق الجديدة الّتي ابتكرها الإنسان في تهديده ووحشيّته مع أخيه الإنسان.

 

حتّى وإن توجّهنا بأصابع النقد نحو روايات العهد القديم العنيفة، لكنّ المسيحيّة تُصرّ على أنّ لا أحد له الحقّ بالقتل باسم الله العليّ. لقد تغلّب يسوع على العنف لا بعنفٍ مضاد، بل حدّه، بفضح كلّ ما يقوم عليه من جورٍ و تبعات عقيمة.

 

انتصر المسيح لأنّه كان الضحيّة، مُعلنًا ومبشّرًا بطريقٍ جديدٍ للانتصار، طريق ينتصر على الشِّرير لا محال. إنّ المسيح يُفسِّر لنا لِما سمح الله بالقتل والعنف في العهد القديم، عندما أجاب الفريسيِّين بعدما سألوه عن الطلاق الّذي حلّله موسى، على الرُّغم أنّ ما يربطه الله لا يحلّه إنسان. يشرح يسوع أنّ هذه التنازلات الإلهيّة تمّت لا تُجاه الشريعة، بل لأجل شعبٍ قاسي القلب. لقد سمح الله بتعدّد الزيجات، والطلاق وأمورٍ أُخرى، بينما كان يقود شعبًا خاطئًا في دربٍ طويلةٍ نحو خليقة جديدة، وآدمٍ جديد، هو مخلّصنا يسوع المسيح، الّذي سيعود بالخليقة إلى المقصد الإلهيّ الأوّلي لها.

 

أرانا يسوع من خلال آلامه وصلبه كرمه غير المحدود، لا بقبوله مصيره، بل في غفرانه لأعدائه، والدفاع عنهم أمام الله. وإنّ الغفران بالرّوح نفسها الّتي عند ربّنا، لا يُلزمنا التحفّظ على ردّات فعلنا ومحاربة ميولنا الّتي تتمنّى الشرّ لأعدائنا وحسب، بل أن نبادل شرّهم بفعل الخير تُجاههم، آملين أنّ الحقّ سيقودهم لعدم إيذاء ذواتهم والآخرين في نهاية المطاف.

 

ولم يقدّم ربّنا ذاته مثالاً نقتدي به في الغفران وحسب، بل أنّه وهبنا بموته نعمة المغفرة لآخرين أيضًا. لقد وجّه يسوع المصلوب "لا" قاطعة لكلّ أنواع العنف، وهذا الموقف لا يشتمل على اللاعنف وحسب، بل على المغفرة، والوداعة، والمحبّة.

 

وإن كان العنف مستمرًّا في التفشّي، لا يبرّر لنا على الاطلاق أن نربطه بمشيئة الله، وسلطته المُطلقة. فهل هذا يعني أن نقنّع الله بقناع انتجته حقبات بدائيّة وفظّة عرفها التاريخ، وعفا عنها الزمن، بعد أن تخطّتها الحركات الدينيّة بواسطة الضمير المتحضّر للبشريّة؟

 

إنّ شهداء المسيح الحقيقيّون لا يموتون وأكفّهم تُغسل من عار الجريمة، بل بأيدٍ مضمومةٍ تُصلّي… 

 

 

 

 

الأب رانيرو كانتالاميسا الكبّوشيّ واعظ الكرسيّ الرسوليّ