في مداخلته في المؤتمر الصحفيّ الذي عقد في دار الصحافة التابعة للكرسيّ الرسوليّ لتقديم الرّسالة الرسوليّة للبابا فرنسيس بمناسبة اختتام اليوبيل الاستثنائي للرّحمة والتي تحمل عنوان "رحمة وبؤس"، قال المطران رينو فيزيكيلا رئيس المجلس البابويّ لتعزيز البشارة الجديدة بالإنجيل مع إغلاق الباب المقدّس في بازيليك القدّيس بطرس:
اختُتم اليوبيل الاستثنائيّ للرّحمة، لكن لكي نفهم القيمة التي اتّخذها في حياة الكنيسة والأهداف والغايات المُقترحة والنتائج والتبعات التي ينبغي أن تستمرّ من أجل الجماعات المسيحيّة من الأهميّة بمكان أن تكون بين أيدينا الوثيقتين المتعلقتين بهذا اليوبيل:
مرسوم إعلان السنة المقدّسة: "وجه الرّحمة"،
والرسالة الرسوليّة "رحمة وبؤس".
نقرأ في الوثيقة الأولى "هناك أوقات نكون فيها مدعوّين بشكل قويّ لنثبّت النظر على الرّحمة لنصبح بدورنا علامة فعّالة لعمل الآب. ولذلك أعلنتُ يوبيلاً إستثنائيًّا للرّحمة كزمن ملائم للكنيسة، لكيّ يعزز شهادة المؤمنين ويفعّلها" (وجه الرحمة، ٣).
إنّ رغبة الأب الأقدس هي أن يتمكّن المؤمنون من اختبار الرّحمة كي يصبحوا أدوات رحمة، فتصبح هكذا الرّحمة مجدّدًا محفّزة وفعّالة في حياة الكنيسة. والأمر الأكيد في هذا اليوبيل هو أنّ الرّحمة قد أصبحت، وأقلّه لهذه السنة، رائدة العيش اليوميّ للمسيحيِّين. ولكن لا يمكننا أن ننسى أبدًا أن اليوبيل هو في جوهره خبرة دينية وروحيّة.
وكما نعرف وللمرّة الأولى في التاريخ تميّزت هذه السنة المقدّسة بطابع شامل، إذ فُتحت أبواب الرّحمة في جميع أنحاء العالم كشهادة بأنّ محبّة الله لا تعرف الحدود. وبالتالي كان هذا اليوبيل حاضرًا أيضًا عبر الانترنت من خلال موقع رسمي بسبع لغات. هذا ولا يمكننا أن ننسى متطوّعي اليوبيل الذين جاؤوا إلى روما وقدّموا أوقات فرصهم وأوقات فراغهم ليحملوا عون تضامن ملموس لجميع الحجّاج.
ولكي نفهم إن كان هذا اليوبيل قد حقـَّق هدفه المنتظر من الأهميّة بمكان أن نأخذ بين أيدينا أيضًا الرسالة الرسولية "رحمة وبؤس" والتي نقرأ فيها: "في الواقع، لا يمكن للرّحمة أن تكون وقفة في حياة الكنيسة ولكنها تكوّن حياتها التي تجعل حقيقة الإنجيل العميقة ظاهرة وملموسة. كلُّ شيء يظهر في الرّحمة؛ وكلّ شيء يجد حلاً في محبّة الآب الرّحيمة" (رحمة وبؤس، ١).
إن العمودين اللذين تقوم عليهما هذه الرسالة هما واقع أن الرحمة تتطلَّب أن يتمّ الاحتفال بها وبأن تُعاش؛ ومن هذا المنطلق تعطي الخطوط الراعويّة الضروريّة لتنظيم حياة الجماعة المسيحيّة المنتشرة في العالم.
أول حداثة نجدها في هذه الرسالة هي أن مرسلي الرحمة سيُثبّتون في خدمتهم كي "تبقى حتى إشعار آخر كعلامة ملموسة لنعمة اليوبيل التي تبقى حيّة وفاعلة في مختلف أنحاء العالم" (رحمة وبؤس، ٩)، ويتابع الأب الأقدس في هذا السياق ويكتب "وكي لا يقف أي عائق بين طلب المصالحة ومغفرة الله، أمنح الآن جميع الكهنة، وبقوّة خدمتهم، سلطان منح الحلة لمن ارتكبوا خطيئة الإجهاض" (رحمة وبؤس، ١٢). كما نعلم، كانت هذه الخطيئة محفوظة للأسقف فقط، لكن ومن اليوم وبفعل خدمتهم، أي لكونهم خدامًا للمصالحة أصبح بإمكان كلّ كاهن أن يغفر خطيئة الإجهاض بدون أي إذنٍ خاص.
مبادرة أخرى تأتي للقاء المخططات الراعوية في الأبرشيّات وهي إمكانية إعطاء فسحة أكبر لكلمة الله، وبالتالي يكتب البابا فرنسيس "من الأهمية بمكان أن تتمكّن كلّ جماعة، في يوم أحد من السنة الليتورجيّة، من تجديد التزامها في نشر ومعرفة والتعمق في الكتاب المقدّس: تخصيص يوم أحد بالكامل لكلمة الله، كي نفهم الغنى الذي لا ينضب والمتأتي من هذا الحوار المتواصل الذي يقيمه الله مع شعبه" (رحمة وبؤس، ٧).
أمّا العمود الأساسيّ الثاني للرّسالة الرّاعويّة "رحمة وبؤس"، فيتمحور حول عيش الرّحمة وحول طابعها الاجتماعيّ، فالأب الأقدس لا يُخفي أبدًا تجربة تحويل الرّحمة إلى مجرَّد نظريّة والتي يمكن تخطّيها بقدر ما نحوّلها إلى مشاركة ومقاسمة في الحياة اليوميّة، وبالتالي وفي هذا الإطار يعلن الأب عن اليوم العالميّ للفقراء كإلتزام للكنيسة بأسرها للتأمل "حول كيف أن الفقر هو في جوهر الإنجيل وحول واقع أنّه، لطالما سيبقى لعازار ملقى عند باب بيتنا، لن يكون هناك عدل ولا سلام اجتماعيّ". (رحمة وبؤس، ٢١).
من خلال هذه الرّسالة أراد البابا فرنسيس أن يُعمّق موضوع الرّحمة العزيز على قلبه كبعد جوهريّ للإيمان والشهادة المسيحيّة، وبالتالي يوجّه الأب الأقدس دعوة ملموسة لكي تفسح كلّ جماعة مسيحيّة وكلّ مؤمن أيضًا المجال لإبداع الرّحمة "لتنمية ثقافة الرّحمة، المرتكزة إلى إعادة اكتشاف اللقاء مع الآخرين: ثقافة لا ينظر فيها أحد إلى الآخر بلامبالاة ولا يحوّل نظره حين يرى معاناة الإخوة" (رحمة وبؤس، ٢٠).
إذاعة الفاتيكان.