"لنصلّ إلى الله لكي لا يتحوّل الضعف الذي يدفعنا إلى الخطيئة إلى فساد" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح اليوم الجمعة في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان وتحدث عن قصة داود وبتشابع التي تقدمّها لنا اليوم الليتورجية في القراءة (سف صموئيل 11/ 1-17) مشدّدًا على كيفيّة عمل الشيطان إذ أنه يدفع الفاسدين، بعكس الخطأة الآخرين، لكي لا يشعروا بالحاجة لمغفرة الرب.
يمكننا أن نخطأ بطرق عديدة ولكن يمكننا أن نطلب المغفرة من الله بصدق بدون أي شك بأننا سننالها، لكن المشكلة تكمن مع الفاسدين. إن مشكلة الفاسد هي بأنه يشعر أنه ليس بحاجة لطلب المغفرة لأنه يكتفي بالسُلطة التي يقوم عليها فساده. وهذا هو الموقف الذي اتخذه الملك داود عندما أُغرم ببتشابع زوجة أحد جنوده أوريا الذي كان يحارب بعيدًا، وبالتالي وبعد أن أغوى المرأة ودخلت عليه وحمِلت وضع داود خطّة ليخفي خطيئته. فدعا داود أوريا وطلب منه أن يذهب إلى بيته ليرتاح ولكن أوريا ولكونه رجل شريف لم يرد أن يذهب إلى بيته فيما لا يزال رجاله يحاربون، فدعاه داود مجدّدًا وأسكره ولكن هذه الخطة لم تنجح أيضًا. فَلَمّا كانَ ٱلصَّباح، كَتَبَ داوُدُ إِلى يوآبَ كِتابًا وَأَرسَلَهُ بِيَدِ أورِيّا. وكَتَبَ في الكِتاب، قائِلاً: "وَجِّهوا أورِيّا حَيثُ يَكونُ ٱلقِتالُ شَديدًا، وَٱرجِعوا مِن وَرائِهِ فَيُضرَبَ وَيَموت". لقد حكم عليه بالموت. هذا الرجل الأمين – الأمين للشريعة ولشعبه ولملكه – حمل ورقة موته.
داود قديس ولكنّه خاطئ أيضًا إذ سقط في الزنى. وإذ كان يعتبر أن الله يحبّه شعر داود بالثقة – لأن ملكه كان قويًّا – أنه ومن بعد خطيئته بإمكانه أن يحرّك كل شيء لصالحه ليخفي خطيئته فوصل به الأمر إلى الكذب وإلى إصدار أمر بقتل رجل شريف وصادق جاعلاً من جريمته حدث حرب طبيعي.
تظهر لنا هذه المرحلة من حياة داود مرحلة يمكن أن يعيشها كل فرد منا في حياته وهي الانتقال من الخطيئة إلى الفساد. فبعمله هذا قام داود بأول خطوة له في درب الفساد. لقد كان يملك السلطة والقوّة، ولذلك فالفساد هو الخطيئة الأسهل لنا جميعًا نحن الذين نملك السلطة إن كانت كنسيّة أو دينيّة، اقتصاديّة أو سياسيّة... لأن الشيطان يجعلنا نشعر بالثقة بأننا قادرين على فعل أي شيء.
إن الفساد – والذي بفضل نعمة الله تمكن داود من الخروج منه – قد أكل قلب ذاك الشاب الشجاع الذي واجه جليات الفلسطينيّ بمقلاع وخمسة حجارة. وبالتالي هناك مرحلة نعتاد فيها على الخطيئة أو نعيش فيها ثقة كبيرة لما نحن عليه وللسلطة التي نملكها فلا تعود الخطيئة بالنسبة لنا خطيئة فنسقط عندها في دوامة الفساد.
إن الرب يسامح على الدوام ولكن إحدى أسوء ميزات الفساد هي أن الفاسد لا يشعر أبدًا بالحاجة لطلب المغفرة. لتكن صلاتنا اليوم إذًا على نية الكنيسة بدء من كل فرد منا، وعلى نية الحبر الأعظم والأساقفة والكهنة والمكرسين والمؤمنين العلمانيين: "خلصنا يا رب من الفساد. نعم جميعنا خطأة يا رب ولكننا لسنا فاسدين" لنطلب اليوم إذًا هذه النعمة.
إذاعة الفاتيكان.