كيف يمكننا الإفتخار بدون الإساءة إلى الآخرين أو إقصاء أحد ما؟

متفرقات

كيف يمكننا الإفتخار بدون الإساءة إلى الآخرين أو إقصاء أحد ما؟

 

 

 

 

 

 

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،

 

 

نتعلّم منذ الطّفولة أنّ الإفتخار ليس أمرًا جميلاً. في بلادي نسمّي الذين يفتخرون "طواويسًا". وهذا صحيح لأنَّ الإفتخار بما نحن عليه أو بما نملكه، إضافة إلى كونه نوع من الكبرياء، فهو يشير أيضًا إلى غياب احترام الآخرين، لاسيّما الذين هم أقل حظًّا منّا.

 

إلاّ أنّه، وفي هذا المقطع من الرّسالة إلى أهل روما (5/ 1 -11)، يُفاجئنا بولس الرّسول إذ يحثّنا مرّتين على الإفتخار. بماذا إذًا يمكننا أن نفتخر؟ لأنّه إن كان يحُثُّنا على الإفتخار فهناك إذًا ما يمكن الإفتخار به. وكيف يمكننا الإفتخار بدون الإساءة إلى الآخرين أو إقصاء أحد ما؟

 

في الحّالة الأولى، نحن مدعوّون للإفتخار بوفرة النّعمة التي أُفيضت علينا بيسوع المسيح بواسطة الإيمان. يريد بولس أن يُفهمَنا أنّه إنْ تعلّمنا قراءة كلِّ شيء بنور الرّوح القدس فسندرك أنّ كلّ شيء هو نعمة! كلُّ شيء هو عطيّة! في الواقع إن تنبّهنا، نرى أنّنا لسنا نحن فقط من يعمل – في التّاريخ كما في حياتنا – وإنما الله هو الذي يعمل أولاً.

 

إنّه الفاعل المُطلق الذي يخلق كلَّ شيء كعطيّة حبّ والذي ينسج قصّة مخطّطه الخلاصي ويتمّمه لأجلنا بواسطة ابنه يسوع. يُطلب منّا أن نعترف بهذا كلّه ونقبله بامتنان ونجعله دافع تسبيح وبركة وفرح كبير. إن فعلنا هذا نكون بسلام مع الله ونختبر الحريّة. وهذا السّلام يمتدُّ إلى جميع المجالات والعلاقات في حياتنا: نكون في سلام مع أنفسنا وفي العائلة، في جماعتنا وفي العمل، ومع الأشخاص الذين نلتقي بهم يوميًّا على دربنا.

 

لكنّ بولس يحثّنا على الإفتخار أيضًا في الشّدائد. إنّه أمر يصعب فهمه! يَبان لنا هذا الأمر أكثر صعوبة وقد يبدو أنّه لا يمتُّ بأيّة ِصلةٍ لحالة السّلام التي تمّ وصفها. ولكنّه يشكّل متطلّبها الأساسيّ الحقيقيّ. في الواقع إنّ السّلام الذي يمنحنا إياه الربُّ ويؤمِّنه، لا ينبغي أن يُفهَم كانعدام للقلق ولخيبات الأمل وللنقص ولأسباب الألم.

 

لو كان الأمر هكذا، في حال تمكُّنِنا من العيش بسلام فتلك اللّحظة ستنتهي بسرعة وسنقع في الحزن لا محالة. أمّا السّلام الذي ينبع من الإيمان فهو عطيّة: إنّه نعمة اختبار أنَّ الله يحبّنا وقريب منّا على الدّوام، لا يتركنا وحدنا حتى ولو للحظة واحدة من حياتنا. وهذا، كما يؤكِّد الرّسول، يولّد الصّبر لأنّنا نعرف أنّه، في الأوقات الأكثر شدّة وقساوة، يكون صلاح الله ورحمته أكبر من أيّ شيء آخر ولا شيء يمكنه أن ينتزعنا من يديه ومن الشّركة معه.

 

ولهذا فإنَّ الرّجاء المسيحيّ ثابت ولا يخيّب. الرّجاء لا يخيّب أبدًا! هو لا يقوم على ما نستطيع أن نفعله ونكونه، ولا حتى على ما يمكننا أن نؤمن به. أساسه، أي أساس الرّجاء المسيحيّ، يقوم على ما هو الأكثر أمانة ويقينًا، أي المحبّة التي يحملها الله لكلّ فرد منّا.

 

من السّهل علينا أن نقول إنَّ الله يحبّنا، وجميعنا نقوله. ولكن لنفكِّر قليلاً: هل يمكن لكلّ واحد منّا أن يقول: "أنا متأكِّد أن الله يحبّني"؟ هذا ليس أمرًا يسهل علينا قوله وهذا صحيح. إنّه تمرين جيّد أن نقول لأنفسنا إنَّ الله يحبُّنا. هذا هو أساس ضمانتنا وأساس الرّجاء.

 

والرّبّ قد أفاض في قلوبنا الرّوح بوفرة – الذي هو محبّته – كصانع وضامنٍ لكيّ يُغذّي الإيمان فينا ويحافظ على هذا الرّجاء حيًّا. وهذه الضّمانة هي أنّ الله يحبّني. إن كنت أعيش مرحلة صعبة، الله يحبّني، وإن كنت قد فعلت أمرًا سيّئًا أو شرّيرًا فالله يحبّني أيضًا. تلك الضّمانة لا يمكن لأحد أن ينتزعها منّا، وينبغي علينا أن نكرّر هذا القول كصلاة: الله يحبّني وأنا متأكِّد من محبّته لي وأنا متأكِّدة من محبّته لي.

 

الآن نفهم لماذا يحثّنا بولس الرّسول على الإفتخار دائمًا بهذا كلّه. أنا أفتخر بمحبّة الله ولأنّه يحبُّني.  إن الرّجاء الذي أُعطي لنا لا يفصلنا عن الآخرين ولا يحملنا على إهانتهم أو تهميشهم. إنّ الأمر يتعلّق بعطيّة رائعة نحن مدعوّون لنصبح "قنوات" لها، بتواضع وبساطة، من أجل الجّميع. عندها سيصبح افتخارنا الأكبر بأنّ لدينا كأبٍ إلهًا لا يميّز ولا يقصي أحدًا بل يفتح بيته لجميع الكائنات البشريّة، بدءًا من الأخيرين والبعيدين، لكي نتعلّم كأبناء له أن نعزّي ونعضد بعضنا البعض. ولا تنسوا أبدًا أنّ الرّجاء لا يخيِّب!

 

 

 

 

قداسة البابا فرنسيس

المقابلة العامة

الأربعاء، 15 فبراير / شباط 2017‏

قاعة بولس السادس

موقع الكرسي الرسولي.