"ينبغي لإعلان الإنجيل أن يتمَّ بتواضع ويتغلّب على تجربة الكبرياء" هذه هي الدّعوة التي وجّهها قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الثلاثاء في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان في عيد القدّيس مرقس وأكّد على ضرورة أن يخرج المسيحيون حاملين البشارة مسلطًا الضّوء على واقع أن يكون المبشر في مسيرة مستمرّة بدون البحث عن أي ضمانات.
قال الأب الأقدس لقد أعطى يسوع رسالة لتلاميذه: إعلان الإنجيل، أي ألّا يبقوا في أورشليم بل أن يخرجوا لإعلان البُشرى السَّارَّة للجميع. توقّف الأب الأقدس في تأمّله الصباحيّ عند إنجيل القدّيس مرقس (16 / 15 -20) والذي يخبرنا عن الوصيّة التي تركها الرّبّ لتلاميذه وقال إنّ الإنجيل يُعلن دائمًا خلال المسيرة وليس من خلال الجلوس، وبالتالي ينبغي علينا أن نخرج حيث يسوع ليس معروفًا أو حيث يتعرّض للإضطهاد أو التشويه لنعلن الإنجيل الحقيقيّ.
الخروج من أجل الإعلان، وفي هذا الخروج تندرج حياة المبشِّر فهو ليس بمأمنٍ ولا يملك ضمانات للحياة، والمبشر الذي يبحث عن ضمانات للحياة ليس بمبشّر حقيقيّ لأنّه لا يخرج بل يبقى في ضماناته. يُطلب منّا أوّلاً أن نخرج! إنّ الإنجيل – إعلان يسوع – يتمُّ بالخروج والانطلاق والسّير، أي من خلال مسيرة جسديّة أو روحيّة، أو حتى مسيرة ألم: لنتأمل بإعلان الإنجيل الذي يقوم به العديد من المرضى الذين يقدّمون آلامهم في سبيل الكنيسة والمسيحيّين، هم أيضًا يخرجون؛ لأنّهم يخرجون من ذواتهم.
لكن كيف هو أسلوب هذا الإعلان؟ يعطينا القدّيس بطرس جوابًا واضحًا حول هذا الأسلوب (1بط 5/ 5 -14): "يتمُّ إعلان الإنجيل بتواضع لأنّ ابن الله قد واضع نفسه وأخلى ذاته، وهذا هو أسلوب الله وما من أسلوب غيره"، فإعلان الإنجيل ليس مهرجانًا ولا عيد لا! لأنّ الإنجيل لا يمكن أن يُعلن بواسطة السّلطة البشريّة ولا من خلال روح الوصوليّة والمصالح، هذا ليس الإنجيل أبدًا! ولذلك نحن مدعوّون جميعًا لنلبس "ثَوبَ التَّواضُع، في مُعامَلةِ بَعضِنا لِبَعض؛ لأَنَّ اللهَ يَرُدُّ المُتَكبِّرين، وَيُنعِمُ على المُتَواضِعين".
ولماذا نحتاج لهذا التواضع؟ لأنّنا نحمل إعلان تواضع، إعلان مجد من خلال الإتضاع. قد يتعرّض إعلان الإنجيل لتجربة وهي تجربة السّلطة والكبرياء، تجربة روح العالم التي تجعلنا نبشّر بإنجيل بدون يسوع المصلوب والقائم من الموت، ولذلك يقول لنا بطرس الرّسول: "كونوا قَنوعينَ ساهِرين. إِنَّ إِبليسَ خًصْمَكم كالأَسدِ الزَّائِرِ يَرودُ في طَلَبِ فَريسةٍ لَه، فقاوِموه راسِخينَ في الإِيمان، عالِمينَ أَنَّ إِخوَتَكمُ المُنتَشرينَ في العالَم يُعانونَ الآلامَ نَفسَها."
المسيحيّ الذي يزعم أنّه يعلن الإنجيل ولا يتعرّض للتجربة فذلك لأنَّ الذي يقوم به لا يفيد ولا يُقلق الشيطان؛ أمّا البشارة الحقيقيّة فتجد على الدوام التجارب والاضطهاد، لكن عندما نكون في الألم يأتي الرّبّ دائمًا ليعزينا ويعطينا القوّة لأنَّ هذا ما وعد به يسوع تلاميذه عندما أرسلهم إلى العالم.
إنّ الرَّبّ سيأتي دائمًا لتعزيتنا وليمنحنا القوّة لنسير قدمًا لأنّه يعمل من خلالنا إن كنّا أُمناء لإعلان الإنجيل وخرجنا من ذواتنا لنعلن بتواضع المسيح المصلوب والقائم من الموت.
إذاعة الفاتيكان.