استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح يوم السبت في قاعة الكونسيستوار في القصر الرَّسوليّ بالفاتيكان المشاركين في المجمع العامّ لرهبانيّة "Sacre Stimmate di Nostro Signore Gesù Cristo" وللمناسبة سلّمهم الأب الأقدس كلمة كان قد أعدّها لهذا اللقاء كتب فيها:
تأتون من خمسة عشر بلدًا تلتزمون فيهم بحمل إعلان كلمة الله بجميع أشكاله مع اهتمام خاص بالأجيال الشابة وبالتعاون الأخويّ مع الإكليروس الأبرشيّ. أشكركم على ما تقومون به في خدمة الإنجيل والشعوب الموكلة إليكم وأحثّكم كي تنعشوا فيكم وفي جماعاتكم نار كلمة الله التي يجب أن "تّتقد" أيضًا في قلوب الذين يعيشون في الضواحي الكنسيّة والمدنيّة.
يعلن يسوع في الإنجيل: "جِئتُ لأُلِقيَ على الأَرضِ ناراً، وما أَشدَّ رَغْبَتي أَن تَكونَ قدِ اشتَعَلَت!" بالتشبّه بالمعلّم الإلهيّ، أنتم مدعوّون أيضًا لتحملوا النّار إلى العالم، ولكن هناك نار خاطئة ونار صالحة ومقدّسة. يخبر لوقا الإنجيليّ أنَّ يسوع، وفيما كان يسير نحو أورشليم، أَرسلَ رُسُلاً يَتَقَدَّمونَه، فذَهبوا فدَخَلوا قَريَةً لِلسامِريِّين لِيُعِدُّوا العِدَّةَ لِقُدومِه فلَم يَقبَلوه، فلمَّا رأَى ذلكَ تِلميذاهُ يَعقوبُ ويوحنَّا قالا: "يا ربّ، أَتُريدُ أَن نَأمُرَ النَّارَ فتَنزِلَ مِنَ السَّماءِ وتَأكُلَهم؟" فالتَفَتَ يسوعُ وانتَهَرَهما. فمَضَوا إِلى قَريَةٍ أُخرى. هذه هي النار الخاطئة ولا تعجب الله. يُشبَّهُ الله في الكتاب المقدّس بالنار، ولكنّه نار محبّة تجتاح قلوب الأشخاص لا بالقوّة وإنّما محترمة حرّية وأوقات كلّ فرد.
إنّ الإنجيل يُعلَن بتواضع وفرح، تمامًا كما فعل مؤسِّسكم القدِّيس غاسباريه برتوني. هذا هو أسلوب يسوع، معلّمنا، في البشارة. لقد كان يقبل الجميع ويقترب منهم ويجذب الأشخاص بالطيبة والرَّحمة وبكلمة الحقيقة. هكذا يمكنكم أنتم أيضًا، أيّها التلاميذ المرسلين والمبشّرين، أن تحملوا الأشخاص على التوبة والشّركة مع المسيح من خلال فرح حياتكم والتواضع. إنّ الذي يعلن الإنجيل لا يُقبل على الدوام بل يُرفض أحيانًا ويُضطهد أو حتى يُسجن ويُقتل؛ وهذا الأمر تعرفونه جيِّدًا! لذلك علينا أن نثابر ونصبر ولا يجب أن نخاف من شيء في شهادتنا ليسوع وكلمته، كلمة الحقيقة.
أمّا النار الجيّدة فهي نار يسوع، نار الذي يعمِّد بالرُّوح القدس والنّار: "جِئتُ لأُلِقيَ على الأَرضِ نارًا". إنّها نار المحبّة التي تطهّر القلوب والتي انبثقت من صليب المسيح. إنّها نار الرُّوح القدس الذي نزل بقوّة في العنصرة. نار من يفصل الذهب عن المعادن الأخرى أي من يساعد على تمييز ما يصلح للأبد وما لا قيمة له. يقول يسوع "كُلَّ امْرِئٍ سَيُمَلَّحُ بِالنَّار" (مرقس ۹، ٤۹). إنّها نار المحن والصعوبات التي تُسقِّي وتجعلنا أكثر قوّة وحكمة. إنّها نار المحبّة الأخويّة. يولد المبشِّرون ويتنشّؤون في جماعة مُتِّحدة باسم الرَّبِّ وهي ترسلهم. "حَيثُما اجتَمَعَ اثنانِ أَو ثلاثةٌ بِاسمِي، كُنتُ هُناكَ بَينَهم" وبالتالي فإن شهادة المحبّة لجماعة أخويّة من المرسلين هي التأكيد على بشرى الإنجيل، وهي "علامة للنار"؛ لأنّه إن غابت النار الجيّدة يكون هناك برد وظلام ووحدة أمّا إن وُجدت نار المحبّة الأخويّة فهناك الدّفء والنّور والقوّة للمضي قدمًا، وتنجذب عندها دعوات جديدة لرسالة البشارة اللطيفة.
أيّها المرسلون الأعزاء، إحملوا هذه النّار إلى الجماعات المسيحيّة حيث يحتاج إيمان العديد من الأشخاص لأن يتَّقد مجدّدًا ويجد القوّة ليكون معديًا. وفي الوقت عينه إذهبوا وانطلقوا لتعلنوا الإنجيل للفقراء وللذين يشعرون بأنّ لا أحد يحبّهم وللذين يعيشون في الحزن واليأس، للمسجونين والمشرّدين، للمهاجرين والذين يهربون من الحرب.
إنّ القدّيس غاسباريه برتوني قد نقل إليكم محبّة الزوجين القدّيسين مريم ويوسف؛ فتنبّهوا إذًا بشكلٍ خاص للعائلة، وأعلنوا مع العلمانيِّين فرح الحُبّ. إحملوا نار المسيح للشباب الذين يحتاجون لمن يصغي إليهم ويساعدهم كي يجدوا معنى الحياة. إن بشّرتم بيسوع فسينجذبون؛ قودوهم إليه بصبر ومثابرة. كونوا مرسلين فرحين وودعاء، مستعدّين جيّدًا للقاء كلِّ شخص.
إنَّ القدِّيس غاسباريه برتوني قد أراد رهبانيّتكم ليُعدَّ مرسلين يساعدون الأساقفة في إعلان الإنجيل. أن تكونوا مرسلين، ترسلهم الكنيسة، ليس نشاطًا بل هويّة؛ إذ عندما يختار الله ويدعو من أجل رسالة معيّنة يعطي في الوقت عينه اسمًا جديدًا ويخلق واقعًا جديدًا على الدوام. إنَّ يسوع قد دعاكم لتقيموا معه كتلاميذ مرسلين، لذلك أنتم بحاجة لأن تعزِّزوا شركتكم معه وتحافظوا عليها وأن تتأمّلوا وجهه في الصّلاة لكي تتعرّفوا عليه وتخدموه بمحبّة في وجوه الإخوة.
ليُضئ في مختلف مجالات خدمتكم الكنسيّة إتباعكم الأمين للمسيح وإنجيله. لتحفظكم العذراء والقدِّيس غاسباريه وليكونا مُرشدَين أمينَين لمسيرة عائلتكم الرهبانيّة لكي تحقق كلّ مساعيها إلى الخير. وإذ أسألكم أن تصلّوا من أجلي استمطر عليكم وعلى رهبانيتكم وجميع الذين تلتقون بهم في رسالتكم اليوميّة فيض بركات الرَّبّ. ليشعل الرَّبُّ رسالتكم على الدوام بنار الرّوح القدس!
إذاعة الفاتيكان.