استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس في قاعة كليمينتينا في القصر الرسولي بالفاتيكان أعضاء المجلس الوطني لنقابة الصحافيين في إيطاليا وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال أريد اليوم أن أتشارك معكم تأملاً حول بعض جوانب مهنة الصحافة، وكيف يمكنها أن تساهم في تحسين المجتمع الذي نعيش فيه.
من المهمّ بالنسبة لنا جميعًا أن نتوقّف للتأمل حول ما نقوم به وكيف نقوم به. يأخذ هذا الأمر في الحياة الروحيّة شكل يوم اختلاء ورياضة روحية، وأعتقد أنه في الحياة المهنيّة نحن بحاجة لوقفة مشابهة للتأمّل والتفكير. هذا بالتأكيد ليس بالأمر السهل في إطار العمل الصحافي، مهنة تقوم على "تواريخ استحقاق" و"مواعيد نهائيّة"؛ ولكن ولبرهة قصيرة سنحاول أن نتعمّق معًا في واقع الصحافة.
سأتوقف عند ثلاثة عناصر: محبّة الحقيقة وهو أمر أساسي للجميع ولكن وبشكل خاص للصحافيين؛ العيش بمهنيّة أي بما يذهب أبعد من القوانين والقواعد؛ واحترام الكرامة البشريّة والتي هي أصعب بكثير مما يمكن تصوّره.
أولاً محبّة الحقيقة ولا تعني قول الحقيقة وحسب وإنما عيشها والشهادة لها من خلال العمل أيضًا. وبالتالي العيش والعمل بشكل يتطابق مع الكلمات التي نستعملها في المقال الذي نكتبه في الجريدة أو التقرير الذي نعدّه للتلفاز.
والأمر لا يتعلّق هنا بأن يكون المرء مؤمنًا أم غير مؤمن، وإنما أن يكون المرء صادقًا أم لا مع نفسه ومع الآخرين، لأن العلاقة هي جوهر كل تواصل ولاسيما بالنسبة لمن اختار وسائل الاتصال كمهنة له. إن الأمور في الحياة ليست فقط بيضاء أو سوداء؛ وفي الصحافة أيضًا ينبغي عليكم أن تعرفوا كيف تميّزون بين تدرّج اللون الرمادي للأحداث التي دُعيتُم لروايتها.
فالمناقشة والخلاف أحيانًا يولدان في العمق من صعوبة القدرة على تقديم ملخّص لمختلف المواقف؛ وهذا هو عمل الصحافي – ورسالته يمكننا القول أيضًا – الصعب والضروري في الوقت عينه: أن يقترب بقدر الإمكان من حقيقة الأحداث وألا يقول أو يكتب أبدًا شيئًا غير صحيح.
ثانيًا العيش بمهنيّة وهذا الأمر يعني أولاً فهم المعنى العميق للعمل الذي تقومون به. من هنا تأتي ضرورة عدم إخضاع مهنتكم لمنطق مصالح الأطراف إن كانت اقتصاديّة أو سياسيّة. لأن واجب الصحافة، لا بل أتجرأ وأقول إن رسالتها هي أن تنمي البعد الاجتماعي للإنسان وتعزز بناء مواطنيّة حقيقيّة. وفي هذا المنظار الواسع الأفق يصبح العمل بمهنيّة ليس مجرّد الإجابة على مخاوف فئة ما وإنما الاعتناء بأحد أساسات هيكليّة مجتمع ديمقراطي.
ثالثًا، احترام الكرامة البشريّة وهو أمر مهمّ في كل مهنة ولاسيما في الصحافة لأنه خلف كل رواية بسيطة لحدث ما هناك مشاعر وأحاسيس وحياة أشخاص. لقد تحدّثت غالبًا عن الثرثرة كـ "إرهاب" وعن كيفية قتل إنسان ما بواسطة اللسان.
إن كان هذا الأمر ينطبق على الأفراد في العائلة أو في العمل فهو ينطبق أيضًا على الصحافيين بشكل خاص لأنه بإمكان صوتهم أن يبلغ الجميع وبالتالي فهو يشكل سلاحًا قويًّا جدًّا. ينبغي على الصحافة دائمًا أن تحترم كرامة الشخص البشري.
يمكن لمقال قد نُشر اليوم أن يُستبدل بغيره غدًا ولكن حياة الأشخاص التي يتم التشهير بها ظُلمًا يُمكن أن تُدمَّر للأبد. لا يمكن للصحافة أن تصبح "سلاح دمار" للأشخاص والشعوب، كما ولا ينبغي عليها أن تُغذّي الخوف إزاء التغيرات أو الظاهرات كالهجرة القسريّة بسبب الحرب أو الجوع.
أتمنى أن تكون الصحافة دائمًا وفي كل مكان أداة بناء وعنصر خير مشترك ومُسرِّعًا في مسيرات المصالحة؛ وأن تعرف كيف ترفض تجربة التحريض على الخلاف من خلال لغة تطفئ نار الانقسامات وتشجّع ثقافة اللقاء. أشكركم على هذا اللقاء وأتمنى لكم كل خير في عملكم.
إذاعة الفاتيكان.