"علينا أن نتنبّه من أن نصبح "مسيحيين فاترين" لأنّه بهذا الشكل سيغيب الرب عن أعيننا" هذا هو التحذير الذي وجّهه قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح اليوم الثلاثاء في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان وأكّد الأب الأقدس أن الرب يسعى على الدوام كي يصلحنا ويوقظ نفسنا الفاترة والتي تنام مرتاحة، وحث المؤمنين في هذا الإطار على التنبّه والتمييز ليعرفوا متى يقرع الرب على أبوابنا.
الرب يوبّخ المسيحيين الفاترين في كنيسة اللاذقية قائلاً: "إِنّي عَليمٌ بِأَعمالِكَ، وَأَعلَمُ أَنَّك لَستَ بارِدًا وَلا حارًّا. وَلَيتَكَ كُنتَ بارِدًا أَو حارًّا! أَمّا وَأَنتَ فاتِر، لا حارٌّ وَلا بارِد، فَسَأَتَقَيَّأُكَ مِن فَمي". استهل الأب الأقدس عظته انطلاقًا من سفر رؤيا القديس يوحنا(3/ 14 -22) ليتوقف في تأمّله الصباحي عند الفتور الذي نجده في الكنيسة اليوم كما في الجماعة المسيحيّة الأولى. وشدّد الحبر الأعظم على الأسلوب القاسي الذي يستعمله الرب في توبيخ الفاترين أي المسيحيين الذين ليسوا باردين ولا حارين ويقول لهم سأتقيأُكم من فمي.
الرّبّ يوبّخ أيضًا تلك الطمأنينة التي يعيش فيها الفاترين، إنها طمأنينة مخادعة: ولكن بماذا يفكِّر الفاتر؟ يقوله لنا الرب هنا يعتقد أنّه غنيٌّ ويقول: "إِنّي غَنِيٌّ وَقَدِ اغتَنَيتُ، فَما أَحتاجُ إِلى شَيء". إنها الطمأنينة المخادعة. عندما تُقيم هذه الطُمأنينة في نَفسِ كنيسة أو عائلة أو جماعة أو إنسان ما فهذه العلامة بأن الله ليس حاضرًا هناك. وبالتالي لا تناموا في طمأنينتكم وفي القناعة بأنّكم لا تحتاجون لشيء ولا تؤذون أحدًا.
يصف الرّبّ هؤلاء الأشخاص بالأشقياء البائسين والمساكين العميان ولكنّه يقسو عليهم بهذا الشكل لأنه يحبّهم كما يقول "مَن أَحبَبتُهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ" وبالتالي هو يريدهم أن يكتشفوا نوعًا آخر من الغنى، ذلك الذي وحده بإمكانه أن يعطيه.
لا غنى النفس الذي تعتقد بأنّك تملكه لأنّك صالح وجميع تصرفاتك صالحة وتعيش بطمأنينة، لا وإنما غنى آخر ذاك الذي يأتي من الله والذي يحمل على الدوام صليبًا وعاصفة وقلقًا إلى النفس، ولذلك يقول الرب: "أُشيرُ عَلَيكَ أَن تَشتَرِيَ مِنّي ذَهَبًا مُخَلَّصًا بِالنّارِ لِتَغتَني، وَثِيابًا بيضًا تَلبَسَها، فَلا يَبدُوَ خِزيُ عُريَتِكَ، وَإِثمِدًا تَكحَلُ بِهِ عَينَيكَ لِيَعودَ إِلَيكَ النَّظَر"، لأن الفاترين لا يعرفون بأنّهم عراة، تمامًا كما تخبرنا القصّة الشهيرة "ملابس الإمبراطور الجديدة" والتي تدور حول ملك يقنعه خياطان بأن يصنعا له بدلة خفية لا يراها الذي لا يصلح لمنصبه أو الأحمق وعديم الكفاءة. وعندما يخرج الملك أمام رعيته بملابسه الجديدة، لا يتجرأ أحد على قول أنه لا يرى أي ملابس على الملك، باستثناء طفل صغير أخذ بالصراخ: "لكنه لا يرتدي أي ملابس على الإطلاق!"... وهكذا هم الفاترون أيضًا.
إن الفاترين يفقدون القدرة على التأمل ورؤية أمور الله العظيمة والجميلة، لذلك يسعى الرب لإيقاظهم ويساعدهم ليتوبوا؛ ولكن الرب يدعونا أيضًا من خلال طريقة أخرى ويقول لنا: "هاءَنَذا واقِفٌ عَلى البابِ أَقرَعُهُ. فَإِن استَمَعَ أَحَدٌ إِلى صَوتي وَفَتَحَ الباب، دَخَلتُ إِلَيهِ لأتَعَشّى مَعَهُ وَيتَعَشّى مَعي". من هنا تابع الحبر الأعظم يقول أهميّة أن نكون قادرين على الإصغاء لنسمع صوت الرب الذي يقرع على بابنا لأنّه يريد أن يدخل إلينا.
أضاف البابا يقول هناك مسيحيون لا يتنبّهون أبدًا عندما يقرع الرب على أبوابهم، لأنهم لا يميّزون الأصوات والأمر عندهم سيان. لذلك ينبغي علينا أن نفهم جيّدًا عندما يقرع الرب على بابنا وعندما يريد أن يحمل لنا عزاءه. إن الرب يقف أمامنا كي نفتح له وندعوه ليدخل، وهذا ما حصل مع زكا العشار، كما يخبرنا الإنجيلي لوقا(19/ 1 -10): إن هذه الحشريّة التي حملت زكا القصير القامة على صعود الجمّيزة هي ثمرة الروح القدس. إنها مبادرة الروح القدس لتقوده إلى الرب: فالرب كان حاضرًا هناك وبالتالي رَفَعَ طَرفَهُ، وَقالَ لَهُ: "يا زَكّا انزِل عَلى عَجَل، فَيَجِبُ عَلَيَّ أَن أُقيمَ اليَومَ في بَيتِكَ".
الرب حاضر على الدوام وبمحبّة إما ليصلحنا وإما ليدعونا إلى العشاء وإما لنقوم نحن بدعوته، هو حاضر على الدوام ويقول لكل واحد منا: "استيقظ"، أو "افتح" أو "إنزل" ولكن يبقى على كل منّا أن يعرف كيف يميّز في قلبه متى يقول له الرّبّ "استيقظ"، أو "افتح" أو "إنزل". ليمنحنا الروح القدس نعمة أن نعرف كيف نميّز هذه الدعوات.
إذاعة الفاتيكان.