عظة البطريرك الراعي في عيد قلب يسوع

متفرقات

عظة البطريرك الراعي في عيد قلب يسوع

 

 

عظة البطريرك الراعي في عيد قلب يسوع

 

"تعلَّموا منّي، أنّي وديعٌ ومتواضعُ القلب" (متى11: 29).

 

1. منذ 344 سنة، وتحديدًا منذ سنة 1673، عندما كشف الربّ يسوع سرّ حبّ قلبه للقدّيسة مرغريت-ماري ألاكوك في Paray le Monial بفرنسا، وعبادة قلب يسوع قائمة في الكنيسة. إنّها تكريم حبّه اللّامتناهي الذي بلغ به إلى تقديم ذاته ذبيحة فداء عن خطايا البشر، كحمل وديع حمل جميع خطاياهم. وقال: "تعالوا إليَّ، يا جميع المتعبين والثَّقيلي الأحمال وأنا أريحكم. تعلّموا منّي، أنّي وديعٌ ومتواضعُ القلب، فتجدوا الرّاحةَ لنفوسكم" (متى11: 28-29).

 

2. يسعدنا أن نحتفل، ككلّ سنة، بعيد قلب يسوع الأقدس، مع "عائلة قلب يسوع" التي نحيِّيها بكلّ فروعها المنتشرة في كلّ المناطق اللّبنانية والحاضرة معنا في هذه الليتورجيّا الإلهيّة، والفروع المنتشرة في الأراضي المقدّسة وسوريا وبلدان الخليج وأوروبا وأوستراليا والولايات المتّحدة الأميركيّة وكندا. إنّنا نحيّي رئيستها السيّدة سلوى اسطفان واللّجنة الإداريّة ومرشدها الوطنيّ المونسنيور روكز برّاك، وجميع المرشدين المحلّيين، والمسؤولات عن العلاقات مع فروع المحافظات ومع اللّجنة الأسقفيّة لرسالة العلمانيّين.

 

3. وإنّنا نرفع ذبيحة الشّكر لقلب يسوع الأقدس الذي أشعل في قلوب أعضاء "العائلة" محبّته فجسّدوها أعمال خير ومحبّة. فأنشأت هذه "العائلة" مركزها الاجتماعي الذي يحمل الفرح للعائلات المعوزة ويحمي كرامتها، بفضل التعاون والتضامن مع مؤسّسات وفنادق ومطاعم ومحسنين ومتطوّعين وعاملين. إنّنا نحيّيهم جميعًا ونذكرهم بصلاتنا، كي يكافئهم الله بفيض من نعمه وبركاته؛ هم الذين واللّواتي رأوا وجه المسيح الفادي المتألّم، في وجه الجائع والعطشان، والعريان والغريب والمريض والسّجين (متى 25: 35-36). فقدّموا له المساعدة المادّية والروحيّة والمعنويّة. وزاروه في المستشفيات والسّجون.

 

4. إنّ ما تشهده "عائلة قلب يسوع" من ثمار المحبّة التي تتزايد، هي التي زادت أعضاءها يقينًا وإيمانًا بأنّها كلّها تنبع من محبّة قلب يسوع الأقدس. وكرسل قلب يسوع راحوا ينشرون عبادته، ويشهدون لمحبّته ورحمته بالأفعال والمبادرات. بفضل ذلك، لم تبقَ العبادة على مستوى العاطفة والمشاعر نحو قلب يسوع المطعون بالحربة (يو19: 34)، بل تعدّته إلى أعمال محبّة تخفّف من آلام كلّ متألّم، "مطعون بحربة ما": حربة الجوع والعوز، حربة المرض والوحشة، حربة الظّلم والإقصاء، حربة النزاعات والتشريد، حربة الحزن والموت واليتم، وسواها من "حربات" تطعن قلوب الكثيرين وأرواحهم ونفوسهم.

 

ولا ننسى "حرِّبة الخطيئة". ففي ظهور الربّ يسوع للقدّيسة مرغريت ماري بجراحاته الخمس المشعّة كالشّمس بمحبّة الفداء، اشتكى لها من إساءات الخطأة ونكران الجميل الذي يلقاه من الناس. ودعاها للتكفير عنها بالتوبة وأعمال الرَّحمة، وطلب إليها أن يقدّم المؤمنون والمؤمنات المناولة التعويضيّة عن الخطايا في كلّ أوّل يوم جمعة من الشّهر. فجرت هذه العادة في الأديار والكنائس، وتسبقها ساعة سجود في ليلة الخميس.

 

5. إنّنا نقدّم معًا هذه الذبيحة الإلهيّة تكفيرًا عن خطايا جميع البشر، وعن الخطايا التي تُرتكب في وطننا وفي بلدان الشّرق الأوسط، حيث خطايا الحرب والنزاعات والدّمار والقتل والتهجير متفاقمة، والضمائر ميتة، وتخنق صوت الله الآمر بوضوح وصرامة: "لا تقتل" (خر20: 13)، والذي يسائل ضمير كلّ قاتل، مثلما ساءل قايين: "أين أخوك؟ إن دماءه تصرخ إليَّ من الأرض" (تك4: 9 و11).

 

وليس أقلّ جرمًا القتل الرُّوحيّ بحمل النّاس إلى الخطيئة وامتهان الشّر؛ والقتل المعنويّ بالقهر والظلم وانتهاك الكرامة والحقوق؛ والقتل المادّي بالإفقار والتجويع وسلب مال الغير وممتلكاته؛ والقتل الوطنيّ عندما يتحوّل العمل السياسيّ إلى مصالح شخصيّة وفئوية ومكاسب مالية على حساب الخير العامّ؛ وعندما يُنتهك الدّستور والقانون؛ وعندما يُحمى المجرم ويُعتدى على البريء؛ وعندما تُستبدل الديموقراطيّة بفرض الرَّأي الواحد وإسكات الصَّوت الآخر المعاكس والمطالب بالعدالة والشفافيّة وحماية المال العام؛ وعندما يعمّ الفساد فتتشوّه الإدارات العامّة وتسلب الخزينة ويتشوّه وجه المجتمع، وينتهك صيت الوطن وكرامته وسط الأسرة الدوليّة.

 

6. أجل، كلّ هذه الخطايا أساءت لله ولمحبّته الظاهرة في قلب يسوع الأقدس والمحبّ. ليست عبادة هذا القلب الأقدس مقتصرة على بعض من المؤمنين والمؤمنات، بل هي حاجة كلّ إنسان، وبخاصّة كلّ مسؤول، لأنّ هذا القلب الإلهيّ هو المصدر الأساس لحسن القيام بواجب المسؤوليّة، بتفانٍ وتجرّد وحبّ. في عبادة قلب يسوع نتتلمذ للمسيح الوديع والمتواضع القلب، ونتخلّق بأخلاقه: المحبّة والعذوبة والحنان، روح الخدمة والتجرّد، المقدرة على الغفران التي تفوق المقدرة على الشّر، التفكير في كلّ ما هو حقّ وعدل وصالح والالتزام به.

 

وفيما نلتمس من قلب يسوع الأقدس هذه الفضائل، نرفع نشيد المجد والتسبيح لمحبّة الآب ونعمة الابن وشركة الرُّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

 

 

موقع بكركي.