عطيّة الله

متفرقات

عطيّة الله

 

 

 

 

 

"علينا أن نتبع الرَّبَّ الذي يمنحنا كلَّ شيء لا أن نبحث عن الغنى" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الثلاثاء في كابلة بيت القدّيسة مرتا في الفاتيكان. استهلّ الأب الأقدس عظته انطلاقـًا من إنجيل القدّيس مرقس ليسلّط الضوء في تأمّله الصباحيّ على الملء الذي يمنحنا الله إيّاه والذي يبلغ ذروته على الصّليب.

 

"ما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن، لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِلهِ ولِلمال" في هذه الأيّام التي تسبق الصّوم تدعونا الكنيسة لنفكّر حول العلاقة بين الله والمال، وذكّر البابا في هذا السِّياق بلقاء يسوع بالشاب الغنيّ الذي أراد أن يتبع الرَّبَّ ولكنّه اختار المال في النهاية لأنّه كانَ غَنِيًّا جِدًّا. لقد خاف التلاميذ من قول يسوع عندما قال لهم: "ما أَعسَرَ دُخولَ مَلَكوتِ الله! لأَن يَمُرَّ الجَمَلُ مِن ثَقْبِ الإِبرَة أَيسَرُ مِن أَن يَدخُلَ الغَنِيُّ مَلكوتَ الله" (مر 10/ 24-25)، واليوم يخبرنا إنجيل القدّيس مرقس (10/ 28 -31) عن بطرس الذي سأل يسوع قائلاً: "ها قَد تَرَكنا نَحنُ كُلَّ شَيءٍ وَتَبِعناك" كمَن يطلب من الرَّبِّ حسابًا عمّا فعله.

 

 أمّا جواب يسوع فكان واضحًا: "الحَقَّ أَقولُ لَكُم: ما مِن أَحَدٍ تَرَكَ بَيتًا أَو إِخوَةً أَو أَخَواتٍ أَو أُمًّا أَو أَبًا أَو بَنينَ أَو حُقولاً مِن أَجلي وَأَجلِ البِشارَة، إلّا نالَ الآنَ في هَذِهِ الدُّنيا مائَةَ ضِعفٍ مِنَ البُيوتِ وَالإِخوَةِ وَالأَخَواتِ وَالأُمَّهاتِ وَالبَنينَ وَالحُقول، مَعَ الاضطِهادات. وَنالَ في الآخِرَةِ الحَياةَ الأَبَدِيَّة".

 

إنّ الرَّبَّ لا يعرف إلّا أن يُعطي كلّ شيء، لأنّه عندما يُعطي شيئًا هو يعطي ذاته. ولكن هناك كلمة في هذا الإنجيل تجعلنا نفكّر: "إلّا نالَ الآنَ في هَذِهِ الدُّنيا مائَةَ ضِعفٍ مِنَ البُيوتِ وَالإِخوَةِ وَالأَخَواتِ وَالأُمَّهاتِ وَالبَنينَ وَالحُقول، مَعَ الاضطِهادات". هذا الأمر يدخلنا في أسلوب تفكير آخر وأسلوب عمل آخر، فيسوع يُعطي ذاته بكاملها لأنّ ملء الله هو ملء يبذل ذاته على الصّليب.

 

هذه هي عطيّة الله: ملء يبذل ذاته! وهذا هو أيضًا أسلوب المسيحيّ: يسعى إلى الملء وينال الملء الذي يبذل ذاته ويتبع طريقه. هذا الأمر ليس سهلاً أبدًا. لكن ما هي العلامة لأعرف أنّني أسير قدمًا في درب بذل الذات بالكامل لنوال كلّ شيء؟ يأتينا الجواب من سفر يشوع بن سيراخ (35/ 1 -15): "مَجِّدِ الرَّبَّ عَن قُرَّةِ عَين، وَلا تُنَقِّص مِن بَواكيرِ يَدَيك. كُن مُتَهَلِّلَ الوَجهِ في كُلِّ عَطِيَّة، وَقَدِّسِ العُشورَ بِفَرَح. أَعطِ العَلِيَّ عَلى حَسَبِ عَطِيَّتِهِ، وَقَدِّم كَسبَ يَدِكَ عَن قُرَّةِ عَين. فَإِنَّ الرَّبَّ مُكافِئ، فَيُكافِئُكَ سَبعَةَ أَضعاف". قرّة العين والفرح والوجه المتهلّل... هذه هي العلامات بأنّنا نسير على الدّرب الصّحيح، درب الملء الذي يبذل ذاته.

 

 لقد اغتمّ الشاب الغنيّ وذهب حزينًا، لم يكن قادرًا على قبول هذا الملء الذي يبذل ذاته، أمّا القدّيسون فقد قبلوه. وفي وسط التجارب والصّعوبات كانوا مُتهلّلي الوجوه فرحين. وهذه هي العلامة. وختم البابا فرنسيس عظته مذكّرًا بمثل القدّيس ألبرتو هورتادو وقال لقد كان يعمل على الدوام بالرّغم من الصّعوبات الكثيرة التي كانت تواجهه... لقد كان يعمل من أجل الفقراء... ولكنّه تعرّض للعديد من الاضطهادات وقاسى الآلام وفي وسط عذاباته كان يردّد على الدوام "أنا سعيد يا ربّ، أنا سعيد". ليعلّمنا هذا القدّيس السّير على هذه الدرب وليمنحنا النعمة لنقوم بهذه المسيرة، مسيرة يسوع المسيح الملء الذي يبذل ذاته وأن نردّد على الدوام ولاسيّما في الصعوبات: "أنا سعيد يا ربّ، أنا سعيد".   

 

 

إذاعة الفاتيكان