جميعنا بدون استثناء نريد أن نكون سعداء، أن تكون حياتنا ناجحة، أن نزدهر بنشر العطاءات التي استقبلناها من الله، وهنا نحن على حقّ! المشكلة تكمن في أنّ البشر غير متفقين فيما بينهم على معنى السّعادة ولا على كيفيّة الوصول إليها.
كثير من النّاس يعتقدون بأنّ التطويبات، السّعادة وبالتالي «هذا الخير الكامل للإنسان» كما يقول اللاهوتيّ توما الأكوينيّ، تكمن في الغنى، وآخرين في اللذات، وآخرين أيضاً في الشّرف؛ وغالباً ما نستعمل وزناتنا وإمكانياتنا من أجل أن يتمّ الاعتراف بنا، وأن نكون مُعتبرين، مُصغى إلينا، محبوبين، ولنا أصدقاء كُثر.
بهذا المعنى، تطويبات المسيح يمكنها أن تبدو، للبعض، سخيفة أو مُضحكة، أو مُقزّزة تدعو إلى الانتفاضة ضدّها.
هل علينا استقبال الضّربات بدون أيّة ردّة فعل، دون المُطالبة بالعدالة؟ هل هذا ما تطلبه منّا التطويبات؟ أن نكون مُضطهدين ظلمًا، وأن لا نتفوّه بكلمة لكي نكون سعداء؟ ولكن إذا كانت كلمة الله في القراءة الأولى تدعونا بلا شكّ، أن نبحث عن التواضع، فهي تدعونا أيضًا وبقوّة للبحث عن العدالة.
لأنّه إذا كان الله يحقـِّق العدالة للمُضطهدين، إذا كان يعطي الخبز للجياع، ويحرّر المُقيدين، ويوقف المًثقلين، ويحمي الغريب، الأرملة واليتيم كما يقول لنا المزمور 146، ألا يفعل شعبه، نحن، بالمثل؟ والتواضع الذي نحن مدعوّين لممارسته لا يكمن، بكل تأكيد، للتظاهر به «انظروا كم أنا متواضع»، ولا بالدّخول في حلقة مجاملة نكون فيها الضحيّة لجلب تعاطف الآخرين، أو بالتظاهر بأنّنا تعساء، وبأن نشتكي باستمرار.
الموضوع هو تواضع «رجولي»، إن صحّ التّعبير، ثمرته الاعتراف بالله على أنّه السيّد: فيه وحده ملجأي، وليس في مواهبي الشّخصيّة، ولا في أحد آخر. هذا التواضع يتطلّب الشّجاعة، والعمل والصّلاة. تريد أن تعرف مدى تقدمك في التواضع، تسأل القدّيسة تريزا الأفيليّة أخواتها في الرّهبانيّة؟ أنظر فيما إذا كان تواضعك يُترجم فعلياً في أعمالك من أجل المنفعة والخير الأكبر للآخرين.
أنظر إن كنت تريد فعلاً، من عمق قلبك، أن ينجح الآخر، أخوك، وليس أنت أوّلاً، أنت دائمًا الأوّل؛ أنظر جيّداً كم مرّة لم تستسلم للنقد والخداع، لكي يظهر اللّطف والتشجيع. برؤيتنا لطيبة وعظمة الله الذي لا يتردّد بالالتحاق بنا ويفتح أفواهنا بابنه يسوع في هذا الخطاب الأوّل له على الجبل، إذا لم نرد أن نكون مملوئين ارتباكاً وغموضاً في ظهوره، علينا أن لا نخطئ الهدف في بحثنا عن ازدهارنا، ولنتعلّم منذ الآن أن نضع مجدنا في الله وحده!
علينا أن نضع ثقل حياتنا بالله، أن لا نكون محور ذاتنا وأن ننسى ذاتنا، لكي لا نؤكّد ذاتنا بذاتنا، بل أن نعترف به. هذا هو معنى أن نضع كبريائنا في الله. لأنّنا لسنا نحن ذاتنا بالفعل إلاَّ بقدر ما نعيش من العهد الذي بناه معنا. لا نجد أنفسنا إلاَّ من خلال العلاقة معه.
إذا كنت تريد أن تكون حياتك ناجحة، أن تكون إنسانًا، أن تُثبت ذاتك، وأن يُعترف بك، أعلن يسوع، اعترف به وليكن مرافقاً لطريقك، على خطى بولس الرّسول وجميع القدّيسين. آنذاك تتعلّم التواضع الحقيقيّ لأنّه يقودك إلى حيث لم تتوقّع أبداً أن تذهب. تريد أن تكون مُعبّراً؟ اعتبر يسوع. تريد أن يكون مُصغى إليك؟ أصغ ِ ليسوع. محبوب؟ أحبِب يسوع.
أن يكون لك أصدقاء كُثر؟ تردّد على يسوع وسوف يقدّم لك كثيرين آخرين، في كلِّ أرجاء العالم، أصدقاء حقيقيِّين، متّحدين فيما بينهم بالدّم نفسه وبالحبّ عينه. إنّ طريق السّعادة التي لا تنتهي، طريق التطويبات فتحه المسيح، حكمتنا وعدلنا. وقد تبعه العديد من الناس.
وبالتالي يمكننا نحن أيضاً السَّير على هذا الطريق كما علّمنا المسيح.
تريد أن تمتلك منذ الآن ملكوت السّماوات؟ عِش فقر القلب بوضع إيمانك بالله وحده.
تريد الحصول على «أرض الميعاد»؟ نمّي الوداعة في علاقاتك.
تريد أن تتعزّى؟ إبكي على خطاياك وافتح صمّامات قلعتك.
تريد أن تشبع؟ عمّق بداخلك الرّغبة في العدالة من أجل الجميع.
تريد أن يُغفر لك؟ إغفر للآخرين.
تريد أن ترى الله؟ نقـِّي قلبك ونظرك، وبسطّهم.
تريد أن تُدعى ابن الله، أي أن تكون مسيحًا آخر، حميمي معه؟ اعمل فعلياً على بناء السّلام، بدءًا من بيتك أنت.
تريد أن تمتلك منذ الآن ملكوت السماوات؟ ناضل من أجل العدالة بدون خوف من الاضطهادات.
تريد أن تكون في الفرح منذ الآن والحصول على أكبر مكافأة في السّماء، أي أن تجد المسيح؟ لا تخف من خبث الآخرين، من «ماذا سيقول الآخرين» ومن ظلم نظراتهم.
فليعطِنا الله دائمًا قوَّته وحبَّه لنسير على خطاه.
الاب رامي الياس اليسوعي.