يقوم البابا فرنسيس هذا الأحد بزيارتين رعويتين إلى مدينتي شيزينا وبولونيا الإيطاليتين. يزور البابا شيزينا تلبية لدعوة أسقف الأبرشية المطران دوغلاس ريغاتّييري لمناسبة الذكرى المئوية الثالثة لولادة البابا الراحل بيوس السادس.
كما شاء فرنسيس أن يلبي أيضاً دعوة رئيس أساقفة بولونيا المطران ماتيو ماريا زوبّي ويزور هذه المدينة لمناسبة المؤتمر الإفخارستي الأبرشي. غادر البابا الفاتيكان عند الساعة السابعة صباحاً على متن طائرة مروحية ووصل إلى مدينة شيزينا عند الساعة الثامنة إذ حطت الطائرة في ميدان سباق الخيل. من هناك توجه البابا إلى "ساحة الشعب" حيث كان له لقاء مع المسؤولين البلديين قبل تبادل الهدايا مع العمدة.
ألقى البابا للمناسبة كلمة استهلها معبراً عن سروره الكبير لإتمامه هذه الزيارة ولقائه بأهالي شيزينا. وذكّر البابا بأن هذه المدينة غنية جداً بالحضارة والتاريخ وقد أبصر فيها النورَ اثنان من البابوات هما بيوس السادس، الذي يُحتفل حالياً بالذكرى المئوية الثالثة لولادته، وبيوس السابع.
بعدها أكد البابا أن هذه الساحة، "ساحة الشعب"، تشكل منذ قرون كثيرة ملتقىً للمواطنين، وبالتحديد في المكان الذي كانت تتواجد فيه السوق التجارية. وقد استحقت هذه الساحة اسمها بجدارة، أي ساحة الشعب، وفيها كانت تُتخذ القرارات الهامة بالنسبة لحياة المواطنين، كما يوجد فيها القصر البلدي الذي يُطلق مبادراتٍ عدة في المجالَين الاقتصادي والاجتماعي. وفي هذا المكان بالذات أدرك كثيرون أهمية الحياة الجماعية والتضامن والالتزام لصالح الخير العام.
وقد توقف البابا عند هذا المبدأ الأساسي، ألا وهو العمل معاً من أجل الخير العام، لافتاً إلى أن هذه هي ركيزة الحكم الرشيد في المدينة، والذي يجعلها جميلة وسليمة ومضيافة، وتقاطعاً للمبادرات ومحركاً للتنمية المستدامة والمتكاملة.
وأكد البابا أن هذا الأمر ينطبق أيضاً على جميع الساحات في المدن الإيطالية، ويذكّر بأهمية السياسة الصالحة والسليمة بالنسبة للحياة الجماعية: سياسةٌ تتعاون في إطار الصداقة، سياسةٌ مسؤولة وشجاعة لا تهمّش أي فئة ولا تسيء استثمار الموارد الطبيعية، وتعرف كيف توفّق بين التطلعات المشروعة للأفراد والجماعات محافِظةً في الوقت نفسه على مصلحة المواطنين كافة. واعتبر البابا فرنسيس أن هذا هو الوجه الأصيل للسياسة وسبب وجودها. ولهذا السبب بالذات تعتبرها العقيدة الاجتماعية للكنيسة الكاثوليكية شكلاً نبيلاً من أشكال المحبة.
من هذا المنطلق حثّ فرنسيس الجميع على الالتزام في هذا المجال متنبّين منذ الآن نظرة الخير العام ونابذين كلّ شكل من أشكال الفساد. وشجع البابا جميع المسؤولين في مدينة شيزينا على ممارسة السياسة باسم الشعب ولصالح الشعب، مشدداً على ضرورة أن يتمتع كل الموظفين الرسميين بالاستقامة الخلقية والقدرة على اتخاذ المبادرات والصبر والعزيمة اللازمة من أجل مواجهة التحديات المعاصرة مع العلم أن المشاكل المعقدة لا يمكن حلها فوراً. لكن ينبغي أن يتصرف الأشخاص ويسعوا إلى حل المشاكل عوضاً عن الوقوف موقف المتفرج وانتقاد نشاط الغير.
بعدها أشار البابا إلى الحماسة السياسية التي ميّزت تلك المدينة، شأن إقليم رومانيا ككل. وحث الجميع على إعادة اكتشاف قيمة هذا البعد الأساسي في عالم اليوم من أجل تحقيق التعايش السلمي وطلب منهم أن يقدموا إسهامهم، مدركين أهمية العمل على جعل الأفكار تتأقلم مع الواقع المعاش، وساعين إلى إطلاق مبادرات تحظى بتعاون واسع النطاق. ثم قال البابا إنه بدا لنا أن السياسة سجلت تراجعاً في السنوات الأخيرة إزاء عدائيةِ أشكالٍ أخرى من السلطة شأن النظام المالي والإعلام.
لذا من الأهمية بمكان أن يُعاد إطلاقُ سياسة صالحة تضع نفسها في خدمة الخير العام وتسعى إلى تقليص انعدام المساواة وتعزيز مصلحة العائلات وتقديم إطار راسخ للحقوق والواجبات. وأكد فرنسيس في الختام أن الشعب ينتظر من السياسة الصالحة أن تحقق نمواً متناغماً لهذا الإرث الهام ومقدراته وسأل الرب أن يهب المجتمع سياسيين صالحين حريصين على مصلحة المجتمع والشعب وخير الفقراء.
إذاعة الفاتيكان.