أيها الإخوة الأعزّاء، فصحًا مجيدًا!
تجدّد الكنيسة اليوم في العالم كلّه، بشارةَ الرسل الأوائل المفعمة بالاندهاش: "يسوع قام!" – "حقًّا قام، كما قال!".
ويبلغ هنا عيدُ الفصح القديم، ذكرى تحرير الشعب العبرانيّ من العبوديّة، كمالَه: فالمسيح يسوع، بقيامته، قد حرّرنا من عبوديّة الخطيئة والموت، وفتح لنا السبيل نحو الحياة الأبديّة.
جميعنا، عندما نَدَع الخطيئة تسيطر علينا، نفقد الطريق الصحيح ونتوه مثل الخراف الضالة. لكن الله نفسه، راعينا، قد جاء ليبحث عنا؛ ومن أجل خلاصنا تواضع حتى إذلال الصليب. ويمكننا اليوم أن نعلن: "لقد قام الراعي الصالح الذي، من أجل غنمه، واجه الموت، هللويا!" (كتاب القداس بحسب الطقس اللاتيني الروماني، الأحد الرابع من زمن الصوم، سيلاه المناولة).
والراعي القائم من الموت لا يتعب، عبر الزمن، من البحث عنّا، نحن إخوته الضائعين في برّية العالم. ويجذبنا عبر علامات آلامه –جراحات محبّته الرحيمة- إلى الطريق، إلى طريق الحياة. اليوم أيضًا، هو يحمل على كتفيه الكثير من إخوتنا وأخواتنا الذين يسحقهم الشرّ في مختلف أشكاله.
يذهب الراعي القائم من الموت للبحث عمّن تاهَ في متاهات الوحدة والتهميش؛ يذهب للقائهم بواسطة الإخوة والأخوات الذين يعرفون كيف يتقرّبون باحترام وحنان، وكيف يُسمِعونَهم صوته؛ صوتا لا يُنسَى أبدًا، يدعوهم إلى الصداقة مع الله.
ويأخذ على عاتقه مَن هم ضحايا العبوديّة بأشكالها القديمة والحديثة: العمل اللاإنساني، والاتّجار غير الشرعي، والاستغلال والتمييز، والإدمان الخطير. يأخذ على عاتقه الأطفالَ والمراهقينَ الذين يُحرمون من طمأنينتهم ويسُتَغلّون؛ ومن جَرحَ العنفُ قلبَه، عنفٌ يعاني منه داخل جدران بيته.
إن الراعي القائم من الموت، يجعل من نفسه أيضًا رفيقَ الطريق لجميع الذين يضطّرون إلى ترك أرضهم بسبب الصراعات المسلّحة، والاعتداءات الإرهابية، والمجاعات، والأنظمة القمعيّة. ويجعل أولئك المهجّرين قسرًا، يلتقون بإخوة في كلّ مكان، كي يتشاركوا بالخبز والرجاء في الدرب المشتركة.
ليقد الربّ القائم من الموت، في الأحداث المعقّدة والمأساوية التي تعيشها الشعوب أحيانا، خطوات الساعين إلى العدالة والسلام؛ وليعطِ قادةَ الدول الشجاعةَ لتفادي انتشار الصراعات ووقف الاتّجار بالأسلحة.
وليدعم بشكل خاص، في هذه الأوقات، جهودَ الذين يعملون بنشاط لتقديم الإعانة والتعزية للسكان المدنيّين في سوريا، ضحيّة الحرب التي لا تزال تزرع الرعب والموت. ويعود إلى الأمس فقط حدث الاعتداء الدنيء ضدّ اللاجئين الهاربين، ممّا أدّى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى. ليعطِ السلام للشرق الأوسط بأسره، انطلاقًا من الأراضي المقدّسة، وحتى العراق واليمن.
وليبقى الراعي الصالح على قربٍ من جنوب السودان، والسودان، والصومال، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، الذين يعانون من استمرار الصراع، والذي يتضاعف نتيجة المجاعة الحادّة التي تضرب بعض المناطق الأفريقيّة.
ليعضد يسوع جهود الذين يلتزمون، وخاصة في أمريكا اللاتينية، بضمان الخير المشترك في المجتمعات، والذي يتّسم أحيانا بالتوتّرات السياسيّة والاجتماعيّة، التي تصبح عنيفة أحيانا. ولتُبنى جسور للحوار، عبر المثابرة في مكافحة آفة الفساد، والسعي لإيجاد حلول سلمية للنزاعات، من أجل التقدّم وتعزيز المؤسّسات الديمقراطية، باحترام كامل لسيادة القانون.
ليساعد الراعي الصالح أوكرانيا، التي لا تزال تعاني من صراع دموي، كي تجد الانسجام، وليرافق المبادرات للتخفيف من مآسي الذين يعانون من عواقب هذا الصراع.
ليستمرّ الربّ القائم من الموت، بفيض بركته على القارّة الأوروبية، ويعطِ الرجاء لجميع الذين يعيشون أزمنة أزمات وصعوبات، ولاسيّما بسبب نقص كبير في فرص العمل، خاصة للشباب.
أيها الإخوة والأخوات، نحتفل هذا العام، كمسيحييّن من كلّ الطوائف، بعيد الفصح معًا. فيعلو هكذا بصوتٍ واحدٍ، في كلّ أرجاء الأرض، صدى أجمل بشارة: "الربّ قد قام حقّا، كما قال!" ليمنح، هو الذي انتصر على ظلمة الخطيئة والموت، السلامَ لأيامنا هذه.
فصحًا مجيدًا!
رسالة قداسة البابا فرنسيس
إلى مدينة روما والعالم
بمناسبة عيد الفصح
16 أبريل / نيسان 2017
ساحة القديس بطرس