بمناسبة انعقاد قمّة مجموعة العشرين في هامبورغ وجّه قداسة البابا فرنسيس ظهر يوم الجمعة رسالة للمستشارة الألمانية السيِّدة أنغيلا ميركل كتب فيها
بعد اجتماعنا الأخير في الفاتيكان وإستجابة لطلبكم أرغب بأن أنقل إليكم بعض الاعتبارات التي، ومع جميع رعاة الكنيسة الكاثوليكيّة، أرى أنّها مهمّة في إطار اللقاء المقبل لمجموعة العشرين، الذي سيجمع رؤساء دول وحكومات مجموعة القوى الاقتصاديّة العالميّة الكبرى وأعلى سلطات الاتّحاد الأوروبيّ. بهذا أتبع تقليدًا بدأه البابا بندكتس السادس عشر في نيسان آبريل عام 2009 بمناسبة انعقاد قمّة مجموعة العشرين في لندن.
أرغب أوّلاً بالتعبير لكم وللرؤساء الذين يجتمعون في هامبورغ عن تقديري للجهود التي تقومون بها لضمان سلامة واستقرار الاقتصاد العالمي، مع اهتمام خاصّ بالأسواق الماليّة، والتجارة، والمشاكل المالية، وبشكلٍ عام، بنمو اقتصادي عالمي أكثر إدماجًا واستدامة. وكما يتضح من برنامج القمّة، لا يمكن فصل هذه الجهود عن الاهتمام الموجّه لمعالجة النزاعات الدائرة ومشكلة الهجرة العالميّة.
في رسالتي العامّة "فرح الإنجيل" الوثيقة التصويريّة لحبريّتي والموجّهة للمؤمنين الكاثوليك، اقترحت أربعة مبادئ للعمل لبناء مجتمعات أخويّة وعادلة ومسالمة: الزمان أسمى من المكان؛ الوحدة تتغلّب على النزاع؛ الواقع أهمّ من الفكرة؛ والكامل أسمى من الأجزاء. من الواضح أنّ خطوط العمل هذه تنتمي إلى الحكمة القديمة للبشريّة جمعاء ولذلك أعتقد أنّه بإمكانها أن تشكِّل مساهمة للتفكير حول لقاء هامبورغ وتقييم نتائجه.
الزمان أسمى من المكان. إنّ خطورة المشاكل العالميّة وتعقيدها وترابطها لا تسمح بوجود حلول فوريّة ومرضيّة. ومأساة الهجرة التي لا يمكن فصلها عن الفقر والتي تتفاقم بسبب الحروب هي الإثبات للأسف. لكن من المُمكن القيام بعمليّات قادرة على تقديم حلول تقدميّة بإمكانها أن تؤدّي، في وقت قصير نسبيًّا، إلى انتشار حرّ وثبات للأشخاص يناسبان الجميع.
ومع ذلك، يتطلّب هذا التوتّر بين المكان والزمان وبين الحدود والملء حركة معاكسة في ضمير الحكّام والمقتدرين. وبالتالي يمكن الوصول إلى حلٍّ فعّال فقط إن كان هدف العمليّة النهائيّ حاضرًا في تخطيطها. لذلك من الأهميّة بمكان أن تكون الأفضليّة في قلوب وأذهان الحكام، وفي كلّ مرحلة من مراحل تطبيق المعايير السياسيّة، للفقراء واللاجئين والمتألّمين والنازحين والمهمّشين بدون تمييز بين البلد والعرق والدين والثقافة؛ ولرفض النزاعات المسلّحة.
الوحدة تتغلّب على النزاع. يقدّم لنا تاريخ البشريّة، اليوم أيضًا، مشهدًا واسعًا لنزاعات حاليّة أو ممكنة. إنّ الحرب ليست حلاً أبدًا. ومع اقتراب الذكرى المئويّة لرسالة البابا بندكتس الخامس عشر لقادة الشّعوب المتحاربة، أشعر بأنّني ملزم بأن أطلب من العالم أن يضع حدًا لكلِّ هذه "المجازر العديمة الجدوى".
إنّ هدف قمّة مجموعة العشرين واللقاءات السنويّة الأخرى المُشابهة هو حلّ الخلافات الاقتصاديّة سلميًّا والاتفاق على قواعد ماليّة وتجاريّة مشتركة تسمح بالتنمية المتكاملة للجميع، من أجل تنفيذ خطة عام 2030 وأهداف التنمية المستدامة. مع ذلك فهذا الأمر ليس ممكنًا إن لم تلتزم جميع الأطراف في تخفيض مستوى النزاعات ووقف سباق التسلح الحالي والتخلي عن المشاركة المباشرة أو غير المباشرة في النزاعات، والاتفاق على مناقشة خلافاتها بصدق وشفافية.
الواقع أهمّ من الفكرة. لقد تمَّ استبدال الأيديولوجيّات المأساويّة للنصف الأوّل من القرن العشرين بأيديولوجيّات جديدة للاستقلاليّة المطلقة للسوق والمضاربة الماليّة؛ ولكنّها تترك أثر تهميش وإقصاء وموت. أمّا الإنجازات السياسيّة والاقتصاديّة الهامّة التي تحقـَّـقت في القرن الماضي فقد تميَّزت على الدّوام بواقعيّة سليمة وحكيمة، تقودها أولويّة الكائن البشريّ والسَّعي لدمج وتنسيق حقائق متنوِّعة ومتعارضة أحيانًا، انطلاقًا من احترام كلّ مواطن. لذلك أسأل الله أن تستنير قمّة هامبورغ من مثال القادة الأوروبيِّين والعالميِّين الذين فضّلوا على الدوام الحوار والسَّعي عن حلول مشتركة على مثال شومان، دي غاسبيري، أديناور، مونيت وكثيرين غيرهم.
الكامل أسمى من الأجزاء. يجب أن تُحلّ المشاكل بشكل ملموس من خلال إعطاء الأهميّة الضروريّة لتفاصيلها ولكن لكي تكون هذه الحلول دائمة عليها أن تتحلّى برؤية أوسع وأن تأخذ بعين الاعتبار تبعاتها على البلدان وسكّانها وتحترم آراءهم ووجهات نظرهم. لذلك أرغب بالتذكير بالتحذير الذي وجهّه بندكتس السادس عشر إلى قمّة مجموعة العشرين في لندن عام 2009. في حين أنّه من المعقول أن تقتصر مؤتمرات قمّة مجموعة العشرين على عدد قليل من البلدان التي تمثل الـ %90 من الإنتاج العالمي للخيور والخدمات، لكن ينبغي على هذا الوضع أن يدفع المشاركين إلى التفكير العميق.
إن تلك الدّول والأفراد الذين يكون صوتهم ضعيفًا على السّاحة السياسيّة العالميّة هم أولئك الذين يعانون، بالتحديد، أشدّ المعاناة بسبب نتائج الأزمات الاقتصاديّة التي لا مسؤوليّة لهم فيها. وهذه الأكثريّة، التي تمثل من الناحية الاقتصاديّة الـ %10 فقط من مجموع السّكان، هي ذلك الجزء من البشريّة الذي يملك الإمكانيّات الأكبر للإسهام في تقدُّم الجميع.
ونتيجة لذلك، هناك حاجة إلى الإشارة باستمرار إلى الأمم المتحدة وبرامجها والوكالات المرتبطة بها والمنظمّات الإقليميّة، وإلى احترام المعاهدات الدوليّة وإعمالها، ومواصلة تعزيز نهج متعدّد الأطراف لكي تكون الحلول فعلاً شاملة ودائمة ولصالح الجميع.
وختم البابا فرنسيس رسالته بالقول لقد أردت أن أقدّم هذه الاعتبارات كمساهمة في أعمال مجموعة العشرين، واثقًا في روح التضامن المسؤول الذي يحرّك جميع المشاركين. ولذلك أطلب بركة الله على لقاء هامبورغ وعلى جميع جهود المجتمع الدولي لتفعيل عهد جديد من التنمية يتّسم بالابتكار والترابط والاستدامة والاحترام البيئيّ والإدماج لجميع الشّعوب وجميع الأفراد.
إذاعة الفاتيكان.