رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصّة ٢٠٢١

متفرقات

رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصّة ٢٠٢١

 

 

 

"إن يسوع يريدنا أن نبلغ إلى السعادة التي خُلقنا من أجلها. هو يريدنا أن نكون قديسين ولا يتوقع منا أن نرضى بحياة دون المستوى، ضعيفة وواهية" هذا ما كتبه قداسة البابا فرنسيس في رسالته بمناسبة اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصّة ٢٠٢١

 

 

تحت عنوان "أنتم أحبائي" صدرت ظهر اليوم الخميس رسالة قداسة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصّة ٢٠٢١، ويكتب فيها الأب الأقدس بمناسبة يومكم العالمي، أرغب في أن أخاطبكم مباشرة أنتم الذين يعيشون في أي حالة من الإعاقة، لأخبركم أن الكنيسة تحبكم وتحتاج إلى كل واحد منكم لكي تُتمِّم رسالتها في خدمة الإنجيل.

 

 

 يسوع هو صديقنا! وهو يقول ذلك لتلاميذه خلال العشاء الأخير. وكلماته تصل إلينا وتنير سر ارتباطنا به وانتمائنا إلى الكنيسة. إنَّ الصداقة مع يسوع لا تنحل، وهو لا يتخلى عنا أبدًا، حتى ولو بدا لنا أحيانًا صامتًا. عندما نحتاج إليه، يسمح لنا بأن نجده ويقف إلى جانبنا أينما ذهبنا. نحن المسيحيّون قد نلنا عطية: الوصول إلى قلب يسوع والصداقة معه، إنه امتياز حصلنا عليه بالصدفة وأصبح بعدها دعوتنا: دعوتنا هي أن نكون أصدقاءه! أن يكون يسوع صديقًا لنا هو التعزية الأكبر ويمكنها أن تجعل من كل فرد منا تلميذًا ممتنًا وفرحًا قادرًا على أن يشهد كيف أن هشاشته لا تشكل عقبة أمام عيش الإنجيل ونقله للآخرين. في الواقع، يمكن للصداقة الواثقة والشخصية مع يسوع، أن تكون المفتاح الروحي لقبول المحدودية التي نختبرها جميعًا ونعيش حالتنا متصالحين مع أنفسنا. كذلك يمكن أن يولد منها فرح يملأ القلب والحياة بأسرها لأن الصداقة مع يسوع، كما كتب أحد مفسري الكتاب المقدّس، هي "شرارة تشعل نار الحماس".

 

 

 إنَّ المعمودية تجعل كل فرد منا عضوًا في الجماعة الكنسية، وتمنح كل فرد، دون استثناء أو تمييز، إمكانية أن يُعلن: "أنا الكنيسة!". إنَّ الكنيسة في الواقع، هي بيتكم! نحن، جميعًا، كنيسة لأن يسوع قد اختار أن يكون صديقنا. والكنيسة - نريد أن نتعلم ذلك بشكل أفضل في العملية السينودسية التي بدأناها - ليست جماعة أشخاص كاملين، وإنما تلاميذ في مسيرة، يتبعون الرب، ويحتاجون إلى مغفرته. في هذا الشعب، الذي يتقدم عبر أحداث التاريخ تقوده كلمة الله، جميعنا رواد. لهذا السبب، يُدعى كل واحد منكم أيضًا إلى تقديم مساهمته الخاصة في المسيرة السينودسية. أنا مقتنع بأنه، إذا كانت هذه العملية الكنسية تشاركية وإدماجيّة حقًّا فهي ستُغني الجماعة الكنسية فعلاً. لسوء الحظ، لا يزال اليوم الكثيرون منكم يُعاملون كغرباء عن المجتمع.

 

[...] يشعرون بأنهم موجودون بدون انتماء وبدون مشاركة، وكذلك لا تزال هناك أشياء كثيرة تمنعكم من المواطنة الكاملة. إنَّ التمييز لا يزال حاضرًا جدًّا على مختلف مستويات الحياة الاجتماعية؛ وهو يتغذى من الأحكام المسبقة والجهل ومن ثقافة تتعب في فهم القيمة الثمينة لكل شخص؛ وبالتالي فإن اعتبار الإعاقة – التي هي نتيجة للتفاعل بين الحواجز الاجتماعية ومحدوديّة كل فرد - كما لو كانت مرضًا، يساهم على إبقاء حياتكم منفصلة ويغذي وصمة العار تجاهكم. أما فيما يتعلق بحياة الكنيسة، فإن أسوأ تمييز [...] هو غياب الاهتمام الروحي، والذي يتجلى أحيانًا في رفض الحصول على الأسرار المقدسة، الذي اختبره للأسف بعضكم. إن السلطة التعليمية واضحة جدًا في هذا الأمر، ومؤخراً، أوضح دليل التعليم المسيحي بوضوح أنه لا يمكن لأحد أن يمنع الأسرار عن الأشخاص ذوي الإعاقة. لأنه وإزاء التمييز، تأتي صداقة يسوع التي ننالها جميعًا كعطيّة غير مستحقة، لتفتدينا وتسمح لنا بعيش الاختلافات كغنى. فهو في الواقع، لا يدعونا عبيدًا، أي نساء ورجال ذوي نصف كرامة، وإنما أصدقاء: مؤتمنون على أسراره ويستحقون أن يعرفوا كل ما ناله من الآب.

 

 

 إنَّ صداقة يسوع تحمينا عند التجربة. أعلم جيدًا أن جائحة فيروس الكورونا التي نكافح لكي نخرج منها، كان ولا يزال لها تداعيات خطيرة جدًا على حياة العديد منكم. وأشير، على سبيل المثال، إلى ضرورة البقاء في البيت لفترات طويلة؛ وإلى صعوبة العديد من الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة في الحصول على أدوات التعلُّم عن بعد؛ والخدمات الشخصية التي انقطعت لفترة طويلة في العديد من البلدان؛ وإلى العديد من المصاعب الأخرى التي وُجب على كل فرد منكم أن يواجهها. ولكن، أفكر بشكل خاص في الذين يعيشون داخل مراكز سكنية خاصة وفي المعاناة التي تضمّنت أيضًا الانفصال القسري عن أحبائكم. في هذه الأماكن، كان الفيروس عنيفًا جدًّا، وعلى الرغم من تفاني الموظفين، فقد أودى بحياة الكثير من الضحايا.

 

 

ولكن اعلموا أن البابا والكنيسة قريبان منكم بطريقة خاصة، بمحبّة وحنان! إنَّ الكنيسة تقف إلى جانب الذين ما زالوا يكافحون بينكم فيروس الكورونا؛ وكما هو الحال دائمًا، هي تعيد التأكيد على ضرورة أن تتمَّ العناية بكل فرد، دون أن تُشكّل حالة الإعاقة عقبة أمام الحصول على أفضل علاجات ممكنة. بهذا المعنى، فإن بعض المجالس الأسقفية، مثل مجلس اساقفة إنجلترا وويلز ومجلس أساقفة الولايات المتحدة، قد تدخلت للمطالبة باحترام حق كلِ فرد في أن تتمَّ معالجته والعناية به بدون تمييز.

 

 

إنَّ دعوتنا تنبع أيضًا من صداقتنا مع الرب. فهو قد اختارنا لكي نُثمِرَ ويَبْقى ثَمَرُنا. وإذ قدم نفسه كالكرمة الحقيقية، أراد أن يكون كل غُصن، ثابت فيه، قادرًا على أن يُثمر. نعم، إن يسوع يريدنا أن نبلغ إلى السعادة التي خُلقنا من أجلها. هو يريدنا أن نكون قديسين ولا يتوقع منا أن نرضى بحياة دون المستوى، ضعيفة وواهية. إنَّ الإنجيل هو لك أيضًا! إنه كلمة موجهة للجميع، تُعزّي، وتدعو في الوقت عينه إلى الارتداد. يعلّم المجمع الفاتيكاني الثاني، في حديثه عن الدعوة الشاملة إلى القداسة، أن "جميع الذين يؤمنون بالمسيح، أياً كان وضعهم أو رتبتهم، مدعوون إلى ملء الحياة المسيحية وإلى كمال المحبة.

 

ولكي يبلغوا هذا الكمال، يجب على المؤمنين أن يستخدموا القوى التي نالوها وفقًا للمقياس الذي أراد به المسيح أن يمنحهم إياها، لكي يكرسوا أنفسهم لمجد الله وخدمة القريب". تخبرنا الأناجيل أنه عندما التقى بعض الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بيسوع، تغيرت حياتهم بشكل عميق وأصبحوا شهودًا له. هذا هو الحال، على سبيل المثال، بالنسبة للرجل الأعمى منذ ولادته الذي وإذ شفاه يسوع أكَّد بشجاعة أمام الجميع أنه نبي؛ وكذلك كثيرون آخرون أعلنوا بفرح ما صنعه الرب لهم.

 

 

 أعلم أن البعض منكم يعيشون في ظروف هشاشة قصوى. لكنني أريد أن أتوجّه إليكم، وربما أن أسأل - حيثما دعت الحاجة - أفراد عائلتكم أو من هم قريبين منكم أن يقرؤوا كلماتي هذه أو ينقلوا ندائي هذا، وأطلب منكم أن تصلّوا. إن الرب يصغي باهتمام إلى صلاة الذين يتوكلون عليه، فلا يقل أحد: "أنا لا أعرف كيف أصلي" لأنه وكما يقول القديس بولس الرسول "إِنَّ الرُّوحَ أَيضاً يَأتي لِنَجدَةِ ضُعْفِنا لأَنَّنا لا نُحسِنُ الصَّلاةَ كما يَجب، ولكِنَّ الرُّوحَ نَفسَه يَشفَعُ لَنا بأَنَّاتٍ لا تُوصَف". في الأناجيل، في الواقع، يُصغي يسوع إلى الذين يتوجّهون إليه حتى ولو بطريقة قد تبدو غير ملائمة، ربما فقط من خلال تصرّف أو صرخة.

 

هناك في الصلاة رسالة في متناول كلِّ فرد وأريد أن أوكلها إليكم بطريقة خاصة. لا يوجد شخص ضعيف لدرجة أنّه لا يقدر أن يصلّي ويعبد الرب ويمجّد اسمه القدوس ويتشفّع من أجل خلاص العالم. أمام الله، نكتشف أننا جميعًا متساوين. أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، إنَّ صلاتكم اليوم هي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. لقد كتبت القديسة تيريزيا الأفيلية أنه "في الأوقات الصعبة، هناك حاجة إلى أصدقاء الله الأقوياء لكي يعضدوا الضعفاء". لقد أظهر لنا زمن الوباء بوضوح أن حالة الضعف توحدنا جميعًا: لقد أدركنا أننا في القارب عينه، وأننا جميعًا ضعفاء ومشوّشين، ولكننا في الوقت عينه مهمين وضروريين، وأننا مدعوون جميعًا لكي نجدِّف معًا. والطريقة الأولى لكي نقوم بذلك هي الصلاة. يمكننا جميعا أن نقوم ذلك؛ وحتى إذا احتجنا للدعم على مثال موسى، لكننا متأكّدين من أن الرب سيصغي إلى صلاتنا. أتمنى لكم كل الخير. ليبارككم الرب ولتحفظكم العذراء مريم.

 

إذاعة الفاتيكان