إنها درب صليب غير تقليديّة تلك التي أعدّت تأملاتها لهذه السنة الاختصاصية في الكتاب المقدس آن-ماري بيليتيه. تعكس مراحل درب الصليب اللحظات التي اعتبرتها آن-ماري بيليتيه الأكثر أهميّة في مسيرة يسوع نحو الجلجلة: إنكار بطرس، ألم المسيح الذي نراه اليوم في حياة العديد من الرجال والنساء والأطفال المعنّفين والمُعذّبين والذين يُقتلون، وصمت السبت. وللمناسبة أجرت إذاعة الفاتيكان مقابلة مع آن-ماري بيليتيه حدّثتنا عن التأملات التي أعدّتها لرتبة درب الصليب لهذا العام.
قالت آن-ماري بيليتيه لم أفكّر بما أردت أن أقوله وأنقله، لأن فكرتي كانت بأن أجد نفسي على هذا الدرب وأسعى لأضع نفسي على خطى يسوع الذي يصعد درب الجلجلة. إنه أحد أبعاد فكر الله ولا فكرنا، ولذلك حاولت أن أتحلّى بموقف إصغاء وصمت لأحمل، نفسي والآخرين، إلى التناقض الرائع الذي يتحقق في ساعة الآلام والذي يصفه الكتاب المقدّس بساعة الله ويطال بشكل عميق كل تصرفات عالمنا المعاصر.
تابعت آن-ماري بيليتيه مشيرة إلى أنها أعدّت التأملات بشكل غير تقليدي وقالت لقد استوحيت من واقع أن هناك العديد من المراجع لرتبة درب الصليب وبأنها لا تملك إطارًا مُلزمًا لذلك اخترت الأوقات التي بدا لي أنّها تحمل معاني مميّزة؛ لذلك قرّرت أن أُدخل إنكار بطرس في المشهد الذي بعد أن استشار بيلاطس فيه السلطات اليهوديّة، يعلن هو أيضًا أنّه ينبغي صلب المسيح. لقد رأيت أنّه من المهمِّ أن أذكِّر، في هذه الحالة، بالتواطئ الذي جمع بين اليهود والوثنيين في إصدار حكم موت يسوع، لاسيما وأننا نعرف أن المسيحيين، ولقرون طويلة، قد حمّلوا مسؤوليّة موت المسيح للشعب اليهودي، ولكن النصوص تساعدنا لنفهم أننا إزاء مأساة روحيّة كبيرة اتّحد فيها اليهود والوثنيّون في رفض المسيح وفي العنف نفسه الذي حمل على إصدار الحكم بموته.
أضافت آن-ماري بيليتيه مؤكّدة أنّها استوحت تأملاتها أولاً من خبرتها كمؤمنة، وخبرة الكفاح اليومي للإيمان؛ وقالت عندما نجد أنفسنا – كما في حالة آلام يسوع – أمام المرحلة القصوى من فكر الله، يشعر كل فرد منا أنّه ضائع وبأنّه غير قادر على الدخول في منطق الكتاب المقدّس والـ "هكذا كان ينبغي أن تتم الأمور".
وبالتالي لقد حاولت أن أوقظ الوعي على ما تحمله أحداث الآلام المأساويّة من بشري: المسيح محكوم عليه بالموت ويتعرّض لعنف البشر. وهذه الأحداث تعلّمنا أنّه ينبغي علينا أن نبلغ ما يسمّيه البابا فرنسيس بـ "فرح الإنجيل". نحن أمام تناقض كبير، لأن ما نراه أمام أعيننا هو واقع فشل وألم منتصر، واقع مُلك الموت. من الأهميّة بمكان أن نستعيد الوعي حول واقع بأن نكون مسيحيين هو عكس ابتزاز العنف هذا وعكس الموت وبأن الحب هو أقوى بكثير. إن المحبّة التي تأتي من الله تنتصر على كل شيء وأعتقد أن رسالة المسيحيين اليوم هي يكونوا شهودًا لهذا كلّه.
وختمت آن-ماري بيليتيه حديثها لإذاعتنا متحدّثة عن التأمل الذي أعدّته للمرحلة الأخيرة من درب الصليب وقالت لقد أردت أن تكون المرحلة الرابعة عشرة مخصصة لسبت النور. يقدّم لنا الإنجيل هذا اليوم بكلمات قليلة وهذه الكلمات تتعلّق بالنساء. إنهنَّ النساء اللواتي، وإذ عُدنَ من القبر بعد دفن يسوع، ذهبن ليحضِّرن الطيوب ويحنّطن الجسد بعد السبت. بالرغم من أن الليتورجيّة لا تعطي أهميّة كبيرة ليوم سبت النور، لكنني اعتقد أنّه لحظة أساسيّة. إنه لحظة تأمّل وصمت يُعدُّنا للاعتراف بالقيامة، كما هو لحظة تظهر لنا النساء إزاء محنة موت يسوع فيما يحاولن التحلي بموقف حياة: يحضّرن الطيوب ليذهبن لإكرام جسد المسيح والأهم أنّهنَّ يتحلَينَ بموقف مختلف جدًّا عن موقف تلميذي عماوس اليائسَين والضائعين، فهنَّ، وبكل بساطة، يحضّرنَ الطيوب ويستعدَّنَّ لقبول المفاجأة الكبيرة لإعلان القيامة.
إذاعة الفاتيكان.