"تعظم نفسي الرب لأن القدير صنع لي العظائم" (لو1: 46 و49)

متفرقات

"تعظم نفسي الرب لأن القدير صنع لي العظائم" (لو1: 46 و49)

 

 

 

"تعظم نفسي الرب لأن القدير صنع لي العظائم" (لو1: 46 و49)

 

 

 

"تعظم نفسي الرب لأن القدير صنع لي العظائم" (لو1: 46 و49)، تحتفل الكنيسة اليوم بحسب تقليد التقوى الشعبية بأحد الوردية المقدسة، وتتلو في الكنائس مسبحتها الوردية الكاملة بأسرارها الأربعة: الفرح، والنور، والألم والمجد. وتتلوها وفقا للنية التي شاءتها السيدة العذراء في ظهوراتها في لورد سنة 1858، وفي فاطيما سنة 1917، وهي ارتداد الخطأة إلى التوبة وإيقاف الحروب وإحلال السلام، وتجنيب العالم كوارث الحروب والكوارث الطبيعية. وتحتفل الكنيسة اليوم أيضا بعيد القديسة تريز الطفل يسوع.


إننا في هذين العيدين "نعظم الله مع مريم الكلية القداسة، على العظائم التي أجراها فيها، وأجراها على مدى تاريخ الكنيسة الخلاصي، وفي شخص القديسة تريز الطفل يسوع. وهو ينتظر من كل إنسان أن يكون معاونًا له، لكي يواصل عظائمه كل يوم.

يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية في هذه الكاتدرائية مع سيادة أخينا المطران جوزيف معوض السامي الاحترام، الذي أشكره على دعوتي لزيارة مدينة زحلة العزيزة، بعد أن زرنا في السابق معظم رعاياها، بل كلها. لقد شملت هذه الزيارة التي دامت يومين: جميع السادة المطارنة، وثماني رعايا، وسبع مدارس. فتفقدنا أوضاعها، وشجعنا على العمل الراعوي وخدمة الرسالة التربوية. وشددنا روابط الشركة الكنسية، وأثنينا على الوحدة والتعاون القائمة بين رعاة الكنائس الأجلاء، والعمل الرسولي المشترك.


إننا نقدم هذه الذبيحة المقدسة على نية زحلة العزيزة، شعبها ورعاتها ومؤسساتها، ملتمسين فيض النعم والبركات، على الجميع.

إن مدينة زحلة، عروس البقاع، تشكل نموذج الوحدة في التنوع،القائمة عليها الثقافة اللبنانية والنظام السياسي في لبنان. فلا يمكن أن يكون لبنان أحاديا في اللون أو الدين أو الحزب أو المذهب أو الرأي السياسي. ولا يمكن أن يحكم من فريق أو حزب أو جماعة دينية أو مذهبية، دون سواه. ولا يحتمل الإقصاء والإبعاد والتهميش لأي فريق من أي نوع كان.


هذه الميزة والخصوصية اللبنانية هي في أساس النظام الديموقراطي الذي يعتمده الدستور، وفي أساس العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات، والمشاركة بالمناصفة والتوزان في الحكم والإدارة؛ وفي أساس إقرار الحريات العامة كلها؛ والحوار الوطني الذي يضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار.

هذه المقومات تقتضي إقرار لبنان من قبل منظمة الأمم المتحدة "مركزا دوليا لحوار الأديان والثقافات والحضارات"، وفقًا للمشروع الذي قدمه فخامة رئيس الجمهورية أمام الجمعية العمومية لهذه المنظمة. ومن المعلوم أن الشرط الأساس من قبل اللبنانيين، لدعم هذا المشروع، مثلث الأبعاد: الأول، أن نعيش داخليًّا هذا الحوار بكل أبعاده؛ والثاني، المحافظة على حياد لبنان وتحييده عن الصراعات الإقليمية والدولية؛ والثالث، التزام لبنان بتعزيز قضايا العدالة والسلام وحقوق الإنسان في المنطقة، والدفاع عنها.

"تعظم نفسي الرب، لأن القدير صنع لي العظائم" (لو1: 46 و49). لقد صنع الله لمريم العظائم: عصمها من الخطيئة الأصلية منذ لحظة الحبل بها في حشا أمها، معدًا إيّاها لتكون أُمًا لابن الله المتجسد، وشريكة له في عمل الخلاص والفداء. حفظها بتولاً قبل الميلاد وفيه وبعده، وجعلها مثال المكرسين والمكرسات. جعل أمومتها شاملة لكل إنسان بشخص يوحنا الحبيب، عند الصليب (يو19: 26-27)، حتى أصبحت الكنيسة، جسد المسيح السري. وأخيرًا لا آخرًا رفعها بنفسها وجسدها إلى مجد السماء، وتوجها ملكة السماء والأرض.


إنها عظائم مجانية من الله لمريم، ابنة الناصرة المتواضعة والمنسية. لكنها عرفت كيف تقول دائما "نعم" لإيحاءات إرادة الله كيفما تجلت بحلوها ومرها: من البشارة، فالميلاد وما رافقه من حرمان وفقر وتهجير، إلى رسالة يسوع الصعبة ومعاكساتها، فإلى الآلام والصلب وابتعاد الجميع ونكران الجميل.

إن مريم الكلية القداسة نموذج لنا وشفيعة. نقتدي بها في قبول إرادة الله، ولو كانت عكس منطقنا وتطلعاتنا ورغباتنا. ونلتمس شفاعتها وعونها في هذا القبول.


إن أسرار مسبحة الوردية الأربعة تكشف لنا تصرفات مريم حيال إرادة الله المتجلية في شخص المسيح، ابن الله المتجسد، عبر محطات أربع: نفرح معها في تأمل سر الكلمة الذي صار بشرًا؛ ونستنير بأنوار حياة المسيح العلنية وآياتها؛ ونشاركها في آلام الفداء، مشركين آلامنا بآلام الفادي الإلهي فتكتسب قيمة خلاصية؛ ونمجد الله معها متأملين في سر القيامة وحلول الروح القدس ومشاركتها في المجد السماوي. ولكن من أجل أن تعطي تلاوة الوردية ثمارها، ينبغي أن نقف لدقيقة تأمل في كل بيت من أسرارها، وترداد صلاة المزمور: "عرفني، رب، الطريق الذي أسلكه، فإني إليك رفعت نفسي" (مز 142: 8).

إن عظائم الله تتواصل في النفوس التي تفتح القلب والعقل والإرادة إلى الله وتقبل إرادته. ولنا في القديسة تريز الطفل يسوع خير مثال. فاكتشفت أن الطريق الأمثل إلى الله والإنسان إنما هو طريق المحبة. واعتبرت أن الأعمال لا تقاس بحجمها بل بالمحبة التي بها نحقق أعمالنا، صغيرة كانت أم كبيرة. وهي لنا المثال في قبول إرادة الله الصعبة بالنسبة إلينا. فقبلت مرض السل الذي أشركها في آلام الفداء، كقوة دعم للرسالات والمرسلين في كل الأرض. وبلغت درجة البطولة بعمر أربع وعشرين سنة. فأعلنها البابا بيوس الحادي عشر "شفيعة الرسالات الخارجية" معتبرًا إيّاها "نجمة حبريته"، وأعلنها المكرم البابا بيوس الثاني عشر "المحامية الثانية لفرنسا" مع القديسة جان - دارك، كما أعلنها القديس البابا يوحنا بولس الثاني "معلمة للكنيسة الجامعة الثالثة والثلاثين".

أيّها الإخوة والأخوات الاحبّاء، كل واحد وواحدة منّا مرشح لكي يعاون الله في تحقيق عظائمه فينا، وفي العائلة والمجتمع والكنيسة والدولة. وهنا تكمن قيمة وجودنا وحياتنا. فنسأل الله، بشفاعة أمنا مريم العذراء، سيدة زحله، والقديسة تريز الطفل يسوع، أن يمنحنا الإيمان والشجاعة والمحبة لنقول "نعم" لإرادته، كيفما تجلت. فنرفع نشيد المجد والتعظيم للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

 

 

 

 عظة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في كاتدرائية مار مارون - زحلة

 

موقع بكركي.