احتفلت أبرشيّة بيروت للموارنة بعيد القدّيس جرجس الشّهيد، شفيعها وشفيع العاصمة. وفي المناسبة احتفل رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر في كاتدرائيّة مار جرجس بالذبيحة الإلهيّة ، يحيط به رئيس كهنة الكاتدرائيّة المونسنيور اغناطيوس الأسمر والمونسنيور عصام أبي خليل والأبوان عمّانوئيل القزي وداود أبو الحسن، وشارك فيها رئيس المجلس العام الماروني الوزير السّابق وديع الخازن على رأس وفد من أعضاء الهيئة التنفيذيّة ورئيس المجلس التأديبي القاضي جورج عطيّة وممثلّو الهيئات الروحيّة والراعويّة والإجتماعيّة والأخويّات، ومصلّون.
وبعد الإنجيل المقدّس ألقى المطران مطر عظة من وحيّ المناسبة، وجاء فيها: إنّه عيد العاصمة والأبرشيّة. الكنيسة التي زُرعت في روما على يد بطرس وبولس صارت، بعد أورشليم أمّ الكنائس. بولس دخل إليها سجينًا، ليحاكم على يد قيصر روما. لكنّ هذا القيصر، لم يحاكمه بل استخفّ به، وبالتالي قُطع رأسه قطعًا.
وبطرس الجليليّ غير المتعلّم والغامض في أصوله الفلسطينيّة واليهوديّة، من هو في روما عاصمة الأباطرة وعاصمة الدنيا، حتّى يُسأل عنه؟ هو أيضًا، مات شهيدًا مصلوبًا، رأسه نحو الأسفل. وبعد بطرس وبولس، توسّع الإضطهاد على مدّة ثلاث مئة سنة، كانت الأمبراطوريّة الرومانيّة فيها، تخشى المسيحيّين، وهم قوم متواضعون، لكّنهم لا يركعون، للأباطرة، يسجدون لله الحيّ وحده. خاضعون للسلطة الزمنيّة، ولكن لهم إنجيلهم الذي يمرّ قبل كلّ سلطة ويدخل إلى ضمائرهم، بقيمه كلّها ومحبّته المنفتحة على جميع الناس، بالمساواة بالحقوق والواجبات، فيما روما وعظمتها تميّز بين مواطنين وعبيد، مَن لهم شأن ومَن هم ليسوا بشيء. بالألوف ومئات الألوف مات المسيحيّون، أوائل حتّى تغيّرت الدنيا، واُعلن الدين المسيحي، دين الأمبراطوريّة في بدايّة القرن الرابع، على يد قسطنطين الملك، وأُمّه كانت هيلانة القدّيسة.
دماء الشّهداء، صارت زرعًا للكنيسة وقوّة لها، ومار جرجس هو شهيدٌ من هؤلاء الشهداء. لا نعرف عنه الشيء الكثير، نعرف أنه كان ضابطًا جنديًا في الجيش الرّوماني العظيم، الذي حكم الدنيا بأسرها، وفرض السّلام الرومانيّ على العالم مئات السنوات. لكنّ هذا القدّيس، شُغف بيسوع المسيح وقرّر أن يتبعه وأن يترك، حتى القوّة التي كانت في يديه. إنسان ضابط في الجيش، له سلطته ومكانته وعزّته، ولكنّ لم تكن لديه محبّة الله ولا الحقيقة. عندما ظهرت الحقيقة له، في وجه يسوع المسيح، ترك كلّ شيء وأخذ تلك الحقيقة، حتّى لو كلّفته دماءه وكلّ ما يملك.
مار جرجس اختار المسيح وصار لنا معلّمًا وصار لنا شهيدًا وقدّيسًا نطلب شفاعته عند الله، لأنّه أحبّ الربّ حتى المطلّق ومن كلّ قلبه. من يؤمن بي فليترك كلّ شيء ويتبعني، يقول الربّ. على صورته نحن، تبعنا المسيح ولن نتركه أبدًا، حتّى ولو كلّفنا، كلّ كلّف. نحن له، شهود عاملون في هذا الشرق، حيث الإضطهاد، ولكنّ حيث الربّ يعمل وسوف يأتي ملكوته كاملًا في هذه المنطقة كما في العالم بأسره. ولذلك نقول إنّ شهداء اليوم، هم بزار الإيمان والكنيسة الآتيّة غدًا وبعد غد وإلى آخر الدنيا. نحن أقوياء بالذي يقوّينا (...).
نحن في صراع مستمرّ حتى آخر الدهر، بين روح الله وبين روح هذا العالم. وعيد مار جرجس يضعنا أمام مسؤولياتنا كلّها، الخاصّة والعائليّة والإجتماعيّة والوطنيّة والإقليميّة والعالميّة.
عظمة هي القداسة وعظمة هي المسيحيّة، لأنّها صارت وستبقى ملح الأرض ونور العالم وخميرة الدنيا.
عيد مبارك على الأبرشيّة ومؤمنيها وعلى هذه الكنيسة وكهنتها وعلى بيروت العاصمة وأبنائها. ونصلّي من أجل لبنان، ومن أجل الوفاق فيه، بخاصّة في هذه الأيّام الصّعبة التي نحن فيها، حتى الخامس عشر من أيار، ليطلّ علينا فجر جديد، فجر محبّة وتلاقٍ بين اللبنانيّين. نكلّ هذه التمنيات والنيات بشفاعة مار جرجس والعذراء مريم وجميع القدّيسين، لهم مجد من الله وعليكم رحمته، إلى الأبد.
موقع أبرشية بيروت المارونية.