وجه المسيح هو وجه الكنيسة. نتأمّل فيه اليوم وجهًا شافيًا ومسالمًا، اختاره الله وملأه من روحه، وأرسله ليبشّر الأمم بالحقّ حتى النصر. إنّه وجه كلّ مسيحي وكاهن وراهب وراهبة، وجه كلّ إنسان مخلوق على صورة الله.
أولاً، شرح نص الانجيل
من انجيل القديس متى 12: 9-21
قالَ متَّى الرَسُول: خَرَجَ الفَرِّيسِيُّونَ فَتَشَاوَرُوا عَلى يَسُوعَ لِيُهْلِكُوه. وعَلِمَ يَسُوعُ بِالأَمْرِ فَانْصَرَفَ مِنْ هُنَاك. وتَبِعَهُ كَثِيرُونَ فَشَفَاهُم جَمِيعًا، وحَذَّرَهُم مِنْ أَنْ يُشْهِرُوه، لِيَتِمَّ مَا قِيْلَ بِالنَبِيِّ آشَعيا: «هُوَذَا فَتَايَ الَّذي اخْتَرْتُهُ، حَبِيبِي الَّذي رَضِيَتْ بِهِ نَفْسِي. سَأَجْعَلُ رُوحي عَلَيْهِ فَيُبَشِّرُ الأُمَمَ بِالحَقّ. لَنْ يُمَاحِكَ ولَنْ يَصيح، ولَنْ يَسْمَعَ أَحَدٌ صَوْتَهُ في السَاحَات. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لَنْ يَكْسِر، وفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لَنْ يُطْفِئ، إِلى أَنْ يَصِلَ بِالحَقِّ إِلى النَصْر. وبِاسْمِهِ تَجْعَلُ الأُمَمُ رَجَاءَها».
1. يسوع يشفي إنسانًا يعاني من يده اليابسة، وكان يوم سبت. فاعتبر الفرّيسيّون، المتلطّون وراء الحرف ومصالحهم من أجل النفوذ، إنّ يسوع خالف شريعة السبت الناهية عن العمل. لكنّ يسوع أكّد أنّ قيمة الشّخص البشريّ تفوق وتسمو على السبت. فإذا سقط خروف في حفرة يوم سبت وسارعنا إلى رفعه، أنخالف الشريعة؟ أليس الإنسان المخلوق على صورة الله أسمى منه؟
بالحقيقة، انزعج الفرّيسيّون من يسوع لعمله السامي الذي لا يقدرون عليه، ولتعلّق الشّعب به، ولاعتقادهم أنّه ينافسهم أو يزاحمهم في مآربهم السياسيّة ومصالحهم الخاصّة. ولذلك "خرجوا يتشاورون كيف يهلكوه" (الآية 14).
2. هذا الواقع تشهده الكنيسة ورعاتها، هنا وهناك وهنالك، من بعض السياسيّين الذين يرون في تعلّق الناس وتقديرهم لرعاة الكنيسة وحبّهم لهم، نوعًا من التنافس السياسي معهم، ظانّين أنّ رعاة الكنيسة ينتزعون منهم وهجًا أو قيمة أو دورًا.
لكنّ الصّحيح أن رعاة الكنيسة لا يبغون مكسبًا سياسيًّا ولا دورًا دنيويًا. بل رسالتهم هي أن يخدموا كلّ إنسان، في كلّ ما يؤول إلى خيره الرّوحي والمعنويّ والإجتماعيّ. ليست الكنيسة نظامًا سياسيًا أو اقتصاديًا، ولا هي صاحبة خط سياسيّ أو خطّة اقتصاديّة، لكنّها تعزّز في تعليمها مبادئ العمل السّياسي والإقتصاديّ الّذي يؤول إلى الخير العامّ، الّذي منه خير كلّ النّاس وكلّ إنسان. وهي في الواقع، تشارك في توفير هذا الخير من خلال مؤسّساتها التّربويّة والإستشفائيّة والإجتماعيّة والخيريّة. وبذلك تجسّد، في الأعمال والمبادرة التّعليم الإنجيليّ الّذي تنشره بالقول والكتابة والتّوجيه والتّدبير.
3. أن يتشاور الفرّيسيّون لإهلاك يسوع إنّما هي تجربة يقع فيها كلّ جشِعٍ بالسّلطة، ساعٍ إليها ومتمسّكٍ بها. فيحاول إلغاء منافسه بشتّى الطّرق. هكذا فعل هيرودس عندما أمر بقتل جميع أطفال بيت لحم، لعلّ يكون من بينهم الملك الجديد المولود، فيقضي عليه.
نرى كلّ يوم كيف أنّ المصالح البشريّة تعمي العيون وتقود الإنسان المساق لها إلى إزالة "المنافس"، وإلغائه، مهما كلّف الأمر، وهو بذلك يلغي صوت الله المُصالح البشريّة في بيت لحم، لعلّ يكون من بينهم الملك الجديد المولود، فيقضي عليه الإنسان.
كثيرًا ما يصل الإنسان، حين يتمادى في غيّه، إلى إلغاء الله من حياته غير أنّ الله لن يتخلّى عنّا. صحيح أنّ الله أمين في وعده، وهو من قال لنا: "ها أنا معكم كلّ الأيّام إلى انقضاء الدهر" (متى ٢٨: ٢٠). ولكنّه قال أيضًا: "ها أنا واقف على الباب أقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشّى معه وهو معي" (رؤ ٣: ٢٠).
الربّ الذي خلقنا أحرارًا، يحترم حريّتنا إلى آخر الحدود. نعم هو معنا. ولكنّه عند الباب. لن يغادر. لن يدخل عنوةً. من يُقفل الباب بوجهه يضعه خارجًا، وكأنّه "يقتله" بمعنى إزالته من دائرة حياته. وهذا ما يفعله باعتدائه على الإنسان: "كلّما فعلتموه لأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فلي قد فعلتموه" (متى ٢٥). بالإرهاب، لا نقتل فقط البشر، بل نتعدّى على الله؛ "نقتله" إذا جاز التعبير بقتل أبنائه. في علاقاتنا الشخصيّة اليوميّة، قد نمارس الإرهاب ضدّ إخوتنا. ليس بالضّرورة أن يكون الإرهاب دمويًّا. بل ثمّت الإرهاب الكلامي، والإرهاب فكريّ، الإرهاب بتدمير الصيت، الإرهاب بممارسة الظّلم والتّهديد. كلّ هذه الأمور يمكن تصنيفها "كجرائم قتل". من يقتل الحياة عمدًا هل يمكن أن يكون بعد على علاقة بربّ الحياة وخالقها؟!
4. أمام فعلة الفرّيسيين، "يسوع انصرف من هناك" (الآية 15). إنّها حكمة التّصرّف: "كونوا ودعاء كالحمام" (متّى 10: 16). لقد تجنّب الشّر، ولم يزجّ بنفسه بين أيدي الفرّيسيين لكي يحقّق الموت الخلاصيّ، ولا هو هرب عن خوف. سيسلّم ذاته طوعًا، عندما تحين السّاعة. تصرّف بحكمة بانتظار تجلّي إرادة الآب. لم يبحث عن الموت ولا وعن الصّليب. بل قبل بهما، طوعًا يوم أضحى الصَّليب ضرورةً لخلاص الجنس البشريّ. على هذا النحو علينا أن نفهم روح "الشّهادة والشّهداء". شهداؤنا هم محبّون للحياة بقوّة، ولا يريدون خسرانها ولا يُسرّون بفقدها، بل تنميتها والعناية بها. إلاّ أنّ الرَّبّ أحبّ إليهم منها.
هذا الموقف يلقي الضّوء على واقع شعبنا في بلدان الشّرق المجروح بالنزاعات التي تهدّد بإفراغ المنطقة من مواطنيها المسيحيّين. نحن مدعوّون إلى الكثير من الحكمة وحسن التصرّف. نتفهّم تمامًا الذين تركوا أرضهم للحفاظ على حياتهم وحياة أولادهم. ولكنّنا ندعوهم ليكونوا أيضًا كالمعلّم الإلهيّ الذي عاد إلى التبشير في كلّ المناطق والقرى، حين هدأت الأحوال من حوله. عليهم أن يُدركوا أنّ وجودهم في هذه الأرض هو رسالة إلهيّة وأنّهم لم يولدوا هنا بمجرّد الصدفة، بل أنّ الربّ يرى فيهم رسله الخاصّين إلى هذه البقعة من الأرض، التي شهدت تحقيق سرّ الله الخلاصي.
أجل، لقد علّمنا الرّب يسوع نهجًا حكيمًا في الحياة. هو نهج تحتاج إليه الكنيسة في عالم معادٍ لرسالتها، ويحاول بشتّى الطّرق عرقلتها وتشويشها. وهذا ما نلحظه بشكلٍ خاصّ في الإعتداءات المغرضة والكاذبة بحقّها وبحقّ رعاتها، على تقنيّات التّواصل الإجتماعيّ المتاحة بين أيدي جميع النّاس.
5. بفضل هذا النّهج، "تبعه كثيرون فشفاهم جميعًا" (الآية 15). لقد انتفى الخوف من قلبهم. لم يخافوا الفرّيسيين، وهم الحزب الأكبر في مجتمعهم. فاتّباع المسيح يولّد الطّمأنينة والشّجاعة الدّاخليّة، لأنّه لا يرتكز على المصلحة والتسلّط، بل على الحقيقة والمحبّة. باتّباعه شهدوا له. الشّهادة عيش في القول والفعل والموقف. في "سنة الشّهادة والشّهداء"، نحن مدعوّون لأداء هذه الشّهادة للمسيح: في العائلة، وفي مؤسّسات الكنيسة، وفي المجتمع المسيحيّ، وفي الحياة الوطنيّة.
هؤلاء الّذين تبعوه "شفاهم جميعًا" من كلِّ أمراضهم وعللهم الجسديّة والرّوحيّة والنّفسيّة والمعنويّة. اللقاء بالمسيح يشفي: إنّه "طبيب الأجساد والأرواح". وهذا اختبار شخصيّ خاصّ بكلّ إنسان التقى المسيح بإيمان وحبّ. وعندما يشفينا يجعلنا بدورنا أداة شفاء لغيرنا. هكذا يعطي المسيح الرّب معنى لحياة كلّ واحد وواحدة منّا.
6. وعلّمنا نهجًا ثانيًا هو أنّه "حذّرهم من أن يشهّروه" (الآية 16)، أعني عدم استخدام فعل الخير للشهرة والتباهي. لقد عاش يسوع ما سبق وعلّم: "متى صنعت صدقة، فلا تنفخ أمامك بالبوق، كما يصنع المراؤون في المجامع والأسواق، ليمدحهم النّاس... أمّا أنت فمتى صنعت صدقة، فلا تعلم شمالك ما صنعت يمينك... وأبوك الّذي يرى في الخفاء، هو يجازيك علانيّةً" (متّى 6: 2-4).
اليوم، بكلِّ أسف، القيام بالواجب أصبح يستدعي عند النّافذين السّياسيِّين استخدام وسائل الإعلام. وإلاّ ما فعلوا. ويبقى السّؤال حول فعاليّة هذا الظّهور الإعلامي والوعود!
7. شخصيّة يسوع، الظّاهرة في محبّته ورحمته وحكمته ونهجه، حقّقت ما قاله الله عنه بلسان آشعيا: "هوذا عبدي الّذي اخترته، حبيبي الّذي تاقت إليه نفسي" (الآية 18).
"عبدي" أو "عبدالله" لفظة عبريّة مشتقّة من عَبَدَ، وتعني صَنَعَ. ليس يسوع-الإله صُنعَ الله بل هو الله؛ لكنّه كأقنوم ثانٍ اتّخذ جسدًا بشريًّا من عذراء بقوّة الرّوح القدس، هو صُنعُ الله. فقد سرّ لأنّه حقّق التّدبير الإلهيّ لفداء الإنسان وخلاص الجنس البشريّ.
عندما أقول: "أنا عبد الله" أقصد أن الله هو من صنعني. ففي سفر التكوين خلْق الله الانسان لا بكلمة فقط، كسائر المخلوقات، بل جبله بيديه من التراب، وخلقه أيضًا على صورته كمثاله: "لنصنع الانسان على صورتنا ومثالنا". يمكننا أن نتخيّل كيف يصنع الله الإنسان، يجبله، قطعةً قطعةً. أنا "عبد الله"، في الكتاب المقدّس، تعني أنا غير كلّ باقي الخلائق، أنا الوحيد من صنع يد الله. أنا "تحفة الله" التي تعبّر عنه، كما تعبّر التحفة الفنيّة عن الرسّام. هذا قول عن كلّ شخص بشريّ.
في العهد القديم، طُبّق هذا النشيد على كلّ مؤمن ملتزم بالربّ، كالأنبياء والملوك. ولكن، بما أنّ الإنسان ضعيف، ويسقط في الخطيئة، لم يستطع أحد أن يثبت مع الله. لذلك، يرى متّى الإنجيليّ أنّ يسوع وحده، المنزّه عن كلّ خطأ، هو "العبد" الحقيقيّ الذي يحقّق مشروع الله ويقوم بما لم يقدر الناس على القيام به. أمّا اليوم، فيجب أن نعيد قراءة هذا النشيد، ليس فقط على يسوع، بل على جميع المؤمنين باسمه. فالمسيح فتح لنا الطريق بموته على الصّليب، لكي نتبعه ونتشبّه به.
8. هذا "عبدالله"، يسوع المسيح، الله "اختاره" أي يعضده ويسانده ويقف بجانبه ويقوّيه. لقد اختبر يسوع ذلك عندما حارب تجارب الشّيطان في البريّة، إذ "اقتربت منه الملائكة وخدمته" (متّى 4: 11)؛ واختبره في بستان الزّيتون، إذ "ظهر ملاك من السّماء يشدّده" (لو 22: 43).
هذه حالنا نحن أيضًا. بدون يد الله لا يستطيع أحدٌ منّا إكمال مسيرته الإيمانيّة. إذا لم يقف الله بجانبي، أو بالأحرى إذا لم أضع أنا ثقتي واتّكالي عليه، لا يمكنني أن أكون عبدًا حقيقيًّا. لذلك، فالمؤمن مضطرّ أن يبقى في حالة صلاة دائمة، يسلّم من خلالها نفسه لله في كلّ أمر، طالبًا مساعدته وتحقيق مخطّطه الخلاصيّ، المعدّ قبل إنشاء العالم لنا.
9. هذا "عبدالله" يسمّيه الله "حبيبي الّذي تاقت إليه نفسي" (الآية 18). لفظة "حبيبي" في أصلها العبري تعني الشّخص الّذي بحثت عنه ونظرت إليه مليًا، وحدّقت إليه، فاخترته.
بالدّعوة المسيحيّة العامّة، والدّعوة الكهنوتيّة، والدّعوة الرّهبانيّة، اختارنا الله ودقّق فينا. هو الّذي اختار كلّ واحد منّا وأعطاه رسالةً ومخطّطًا خلاصيًّا ودعوةً تتناسب تمامًا مع قدراته ومع الوزنات التي وضعها فيه. الله يعلم من يختار ولأيّ مهمّة يرسله، لذلك، علينا، متى سمعنا صوته أن لا نتردّد ولا نخاف. فهو لا يرسلنا إلى المجهول. بل أعدّ كلّ شيء، بكثير من العناية والتأنّي.
لم يدقّق الله فقط في البشر ليختارني، بل أيضًا، دقّق فيّ، في داخلي، عرف أفكاري وضعفي ومكنونات قلبي. ورضي بي، رغم كلّ شيء. رضي بي لدرجة أنّني "حبيبه". يجب أن لا تردعنا الخطيئة التي فينا عن الانطلاق وراء الله. لطالما لعب بنا المجرّب بهذا الأسلوب: كلّما دعانا الله إلى رسالة معيّنة، يبادر الشيطان إلينا ويبدأ يدلّنا على نواقصنا وخطايانا ليقنعنا أنّنا لسنا أهلاً لتلبية الدعوة. لسنا على المستوى المطلوب.
10. وفوق ذلك "يضع روحه عليه" (الآية 18) أي يعطيه روحه وحياته وقوّته فلا يتعثّر ولا يتراجع، في الرسالة التي أُوكلت إليه، وهي "أن يبشّر الأمم بالحقّ" (الآية 18)، حاملًا كلمة الله لجميع الناس، وبخاصّة إلى غير المؤمنين. ويرسم الله صفات رسوله:
- "لا يماحك ولا يصيح"، لا يفتح حربًا كلاميّة، ولا يستعمل كلامًا جارحًا. بل يتكلّم لغة المحبّة بلطف وهدوء.
- "لا يسمع أحدٌ صوته في الساحات"، يعيش شهادة الحياة الهادئة. يقول الحقيقة بمَثَل حياته وتصرّفاته. لا يلجأ إلى تبرير ذاته أمام الانتقادات ولو كانت موجَّهة بكذب وعنف. ليست بشارة الإنجيل سجلّات. الكنيسة لا تردّ على مَن ينتقدها بعنف.
- "قصبة مرضوضة لا يكسر، وسراجًا مدخِّنًا لا يطفئ"، يصبر برجاء إنتظار تجلّيات إرادة الله. ويثبت في إعلان الحقّ بوجه الباطل راجيًا النّصرة من عند الربّ.
- في كلّ ذلك هو محطّ آمال الشّعوب، لأنّ "باسمه تجعل الأمم رجاءها".
* * *
ثانيًا، جمعيّة سينودس الأساقفة الخاصّ بالشبيبة (تشرين الأوّل 2017).
1. نبدأ بنقل مضمون الفصل الثالث من وثيقة الخطوط العريضة، وهي بموضوع "الشبيبة والإيمان وتمييز الدعوة". أمّا هذا الفصل فعنوانه: العمل الراعوي الهادف إلى تجديد ما تقتضي راعويّة تمييز الدعوات، مع اعتبار الأشخاص والأمكنة والوسائل المتوفّرة بين أيدينا. بهذا المعنى يوجد ترابط بين راعويّة الشّبيبة وراعويّة الدعوات. يقدّم هذا الفصل إشارات عامّة بحيث تُستكمل على أساس الإختبارات الخاصّة بكلّ كنيسة محليّة
1. السَّير مع الشّبيبة
راعويّة تمييز الدعوات هي مرافقة الشباب حيث هم، وفقًا لأوقاتهم ونهج حياتهم. ما يعني الإهتمام جدِّيًّا بهم في واقع حياتهم وظروفهم. يقول البابا فرنسيس: "إنّ راعويّة الدعوات تعني أن نتعلّم نهج يسوع، الذي يمرّ في أمكنة الحياة اليوميّة، ويتوقّف من دون سرعة، وينظر إلى إخوته برحمة، ويسير بهم إلى الله الآب".
نجد في الإنجيل ثلاثة أفعال تميّز طريقة يسوع في لقائه أشخاص زمانه، من شأنها أن تساعدنا على اعتماد هذا النهج الرّاعوي : خرج ورأى ودعا.
أ- الخروج هو من التصلّب والتشدّد كي يكون إعلان فرح الإنجيل مقبولًا من الشّبيبة؛ ومن كلّ ما يُشعر الشّبيبة بأنّهم مصنّفون. الخروج هو علامة الحريّة الداخليّة بالنسبة إلى النشاطات والإنشغالات اليوميّة.
ب- الرؤية هي نظرة الحبّ والتّقدير للّذين نلتقيهم من الشّباب، ونقضي الوقت معهم، ونسمع أفراحهم وآمالهم وأحزانهم ومجريات حياتهم. هذه النظرة وهذه الوقفة كفيلان بانثقاف الإنجيل في ثقافة الشباب. نظرة الراعي الحقيقي الأصيل هي نظرة تمييز، من دون امتلاك ضمائر الآخرين، ومن دون سابق تحديد مسار نعمة الله.
ج- الدعوة: في الأناجيل نظرة يسوع المُحبّة تتحوّل إلى كلمة، التي هي دعوة لقبول أمر جديد في حياة الشّاب أو الشّابة، ولاكتشافه في عمقه وبنائه. الدعوة تولّد رغبة، وتُخرج الشخص ممّا كان يأسره. والدّعوة هي طرح أسئلة لا يوجد لها أجوبة جاهزة. هذا ما يحمل الشباب للسَّير نحو لقاء فرح الإنجيل.
صلاة
أّيها الرّب يسوع، لقد علّمتنا نهج تجنّب النّزاعات بحكمة التّصرّف والوداعة، ثمّ العودة إلى الشّهادة لك بمحبّة وبصنع الخير لكل إنسان، دونما تمييز. لقد اخترتنا ودعوتنا لهذه الشّهادة، سواء في الحياة المسيحيّة أم في الحياة الكهنوتيّة أم الرّهبانيّة، وأشركتنا برسالة ابنك يسوع المسيح، باختيار وعناية. فأفض عيلنا روحك القدّوس، كي نُعلن الحقّ حتّى النّصر. ساعد شبيبتنا في تمييز دعوة كلّ واحد وواحدة منّهم، وبارك راعويّة الدّعوات في الكنيسة، وامنح المسؤولين عنها النّعمة كي يعتمدوا نهجك في لقائك بأشخاص زمانك. وإنّ نرفع نشيد المجد والتّسبيح للآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
التنشئة المسيحية
موقع بكركي.