القراءة من سفر الحكمة (7/ 7- 11)، تروي حكاية الملك سليمان مع الله. فقد سأله الربّ: أطلب ما تشاء، فرفض سليمان أن يطلب المال أو الجاه أو السّلطان أو العافية أو القوّة. طلب من الله أن يمنحه الحكمة، ولا شيء غير الحكمة، وبذلك استحقّ لقب سليمان الحكيم.
إنّ قصّة سليمان مع الحكمة تذكّرني بكثيرٍ من أساطير القدماء: أورفيه، جلجاميش، بوزيدون ... هذه الأساطير تتناول مواضيع متنوّعة لها عامل مشترك بينها: بطل الأسطورة يتمنّى الحصول على شيء، ويضحّي بكلّ ما لديه، حتّى بحياته، في سبيل الحصول على هذا الشيء. وبسبب تضحيته هذه، أو بسبب استعداده للتضحية هذه، يصير هذا الشيء ثمينًا.
كلّ الناس يتمنّون الحصول على أشياء. وكلّ الناس يحتارون إن قيل لهم: لا يمكنكم أن تحصلوا على عدّة أشياء ثمينة حقًّا في آنٍ واحد. عليكم أن تختاروا شيئًا واحدًا ممّا تتمنّونه... شيء واحد فقط. هذا هو الشّرط الأوّل ليكون ما تتمنّوه ثمينًا. والشّرط الثاني أصعب: هل أنتم مستعدّون لتضحّوا بكلّ غالٍ ونفيسٍ في سبيل الحصول على هذا الشيء الواحد؟
يا له من اختيارٍ صعب. وبسبب هذه الصّعوبة، يقوم الإنسان بتشغيل فكره للالتفاف على هذين الشرطَين، ويقنع نفسه بأنّه يستطيع الحصول على ما يتمنّاه بهذا الالتفاف، بهذا التحايل. ربّما ينجح في نَيل ما يريده، ولكنّه لن يكون ثمينًا، لأنّ ما يجعل الشّيء ثمينًا هو التضحية وليس الشيء في حدّ ذاته.
حين يشتغل شابّ فقيرٍ ويكدّ ويجمع المال ويقتصد حتّى يتمكّن من شراء شيءٍ يشتهيه، وليكن هاتفـًا محمولًا مثلًا، فإنّ هذا الشيء ثمين جدًّا. إنّه يفرح به أيّما فرح، ويعتني به أيّما اعتناء. في حين أنّ الشابّ الميسور قد يحصل على الهاتف نفسه بدون عناء. ولن يكون هذا الجهاز ثمينًا، وفرحه به سيكون مؤقّتًا وعابرًا.
والسؤال المطروح هنا: إذا سألك الربّ وقال: أطلب ما تشاء! ما هو الشيء الواحد الوحيد، الّذي له أولويّة أولويّات حياتك، الّذي ستطلبه، وهل أنت مستعدّ للتضحية بكلّ ما لديك في سبيله؟
لقد خطر هذا السّؤال ببال بعض الأشخاص الروحانيّين، فقال أحدهم: أريد أن أكون معك دومًا يا ربّ، وألّا أبتعد عنك مهما حصل. وقال آخر: أريد أن أراك يا ربّ ولا منية لي سوى رؤية وجهك. وقال ثالث: أريد أن أكون حرًّا من أيّ تعلّقٍ، أن أكون حرًّا حتّى من رغبتي الشديدة بالحرّيّة ... وأنت، ماذا تقول؟
الأب سامي حلاق اليسوعي.