استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت في قاعة كليمينتينا في القصر الرسوليّ بالفاتيكان المشاركين في مؤتمر ينظّمه المجلس البابويّ للثقافة ومجمع التربية الكاثوليكيّة بالتعاون مع المعهد البابويّ للموسيقى الكنسيّة تحت عنوان "الموسيقى والكنيسة: عبادة وثقافة بعد مرور خمسين سنة على الوثيقة الموسيقى الكنسيّة" وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال لقد أراد المؤتمر، بعد نصف قرن على صدور الوثيقة "الموسيقى الكنسيّة"، أن يُعمِّق العلاقة الحاليّة بين الموسيقى الكنسيّة والثقافة المعاصرة، وبين المؤلفات الموسيقيّة التي تعتمدها وتستعملها الجماعات المسيحيّة والنزعات الموسيقيّة المُسيطرة.
إنّ الوثيقة الأولى التي أصدرها المجمع الفاتيكاني الثاني هي الدّستور في الليتورجيّا المقدّسة "المجمع المقدّس"، وقد تنبّه آباء المجمع لصعوبة المؤمنين في المشاركة في ليتورجيّة لا يفهمون بشكلٍ كامل لغتها وعلاماتها. ولكي يجسّدوا الخطوط الأساسيّة التي رسمها الدستور تمّ إصدار الوثائق التعليميّة ومن بينها تلك حول الموسيقى الكنسيّة. ومنذ ذلك الحين، بالرّغم من عدم صدور أي وثيقة تعليميّة جديدة حول هذا الموضوع، كانت هناك مداخلات بابويّة عديدة ومختلفة وجّهت التفكير والالتزام الراعوي.
لا تزال آنية مقدّمة الوثيقة "الموسيقى الكنسيّة" والتي نقرأ فيها: إنّ العمل الليتورجيّ يتّخذ شكلاً نبيلاً عندما يُحتفل به بالأناشيد فيما يقوم الخدّام من مختلف الدرجات كلّ بدوره بمشاركة الشّعب. في الواقع، يكتسب الاحتفال بهذا الشكل تعبيرًا مفعمًا بالفرح ويظهر سرّ الليتورجيا المقدّسة وطبيعتها التراتبيّة والجماعيّة بشكل أوضح وتصبح وحدة القلوب أعمق بفضل وحدة الأصوات، فترتفع الأرواح نحو الأمور السماويّة من خلال بهاء الأمور المقدّسة، فيستبق الاحتفال هكذا الليتورجيّا التي تتمّ في أورشليم السماويّة".
تسلِّط الوثيقة الضوء مرارًا وبإتباع تعليمات المجمع الفاتيكاني الثاني على أهميّة مشاركة جماعة المؤمنين بأسرها وتصفها بالـ"فعّالة والمدركة والكاملة" وتشدّد بوضوح أيضًا على أن "الاحتفال الحقيقيّ للعمل الليتورجي لا يتعلّق بالشكل الأغنى للنشيد أو بالتجهيزات الفاخرة للاحتفال وإنّما بالأسلوب اللائق والدينيّ للاحتفال". وبالتالي فالأمر يتعلّق أولاً بالمشاركة العميقة في سرّ الله وفي "الظهور الإلهيّ" الذي يتمّ في كلِّ احتفال إفخارستيّ يحضر من خلاله الرّب وسط شعبه الذي يُدعى بدوره ليشارك فعليًّا في الخلاص الذي حقـَّقه المسيح المائت والقائم من الموت.
إنّ المشاركة الفعّالة والمدركة تقوم إذًا على معرفة الغوص في هذا السرّ والتأمل به وقبوله وفهم معناه لاسيّما من خلال وقفات الصّمت وموسيقيّة اللغة التي يحدِّثنا الربّ من خلالها. بهذا المنظار يتوجّه التأمّل حول تجديد الموسيقى الكنسيّة والمساهمة الثمينة التي تقدّمها.
تظهر هنا المهمة المزدوجة التي دُعيت الكنيسة للقيام بها ولاسيّما من خلال الذين يعملون في هذا القطاع. إذ ينبغي عليهم من جهّة أن يقدِّروا الإرث الغنيّ والمتعدّد الأشكال الذي ورثناه من الماضي ويحافظوا عليه ويستعملوه باتّزان في الحاضر متحاشين كلّ نظرة حنينيّة أو "آثاريّة"؛ لكن، ومن جهّة أخرى، من الأهميّة بمكان أن يعملوا لكي تكون الموسيقى الكنسيّة والأناشيد الليتورجيّة "مُنثقفةً" بشكل كامل في الأساليب الفنيّة والموسيقيّة الحاليّة ويُجسِّدوا كلمة الله ويترجموها من خلال أناشيد وأنغام تحرّك قلوب معاصرينا وتخلق مناخًا ملائمًا وتُهيئ للإيمان والقبول والمشاركة الكاملة في السرّ الذي يتم الاحتفال به.
إن اللقاء بين الحداثة وإدخال اللغات المحكيّة في الليتورجية قد سبب بالتأكيد مشاكل عديدة: في التعابير والأشكال والأساليب الموسيقيّة. وقد طغى أحيانًا نوع من السطحيّة والابتذال على جمال وعمق الاحتفالات الليتورجيّة ولذلك يمكن لرواد هذا المجال: موسيقيّون ومؤلفون ومرنّمون أن يقدّموا مساهمة ثمينة وذات نوعيّة للتجديد في الموسيقى الكنسيّة والأناشيد الليتورجيّة. ولتسهيل هذه المسيرة من الأهميّة بمكان أن يصار إلى تعزيز تنشئة موسيقيّة ملائمة، حتى للذين يستعدون ليصبحوا كهنة، في الحوار مع التيارات الموسيقيّة لزمننا ومتطلبات المناطق الثقافيّة المختلفة ومن خلال مواقف مسكونيّة.
أشكركم على التزامكم في مجال الموسيقى الكنسيّة؛ لترافقكم العذراء مريم التي أنشدت قداسة الرّب الرّحيمة. أشجّعكم لكي لا تفقدوا هذا الهدف أبدًا: مساعدة الجماعة الليتورجيّة وشعب الله على فهم سرّ الله والمشاركة به بجميع الحواس الجسديّة والروحيّة لأنَّ الموسيقى الكنسيّة والأناشيد الليتورجيّة تعطياننا معنى مجد الله وجماله وقداسته التي تغمرنا كـ"غمامة منيرة".
إذاعة الفاتيكان.