"إنَّ الخلاص يأتي من الصّليب فقط وإنّما من ذاك الصّليب الذي هو الله المتجسّد وبالتالي لا خلاص بالأفكار أو بالإرادة الصّالحة" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الثلاثاء في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان، ودعا المؤمنين كي لا يحملوا الصّليب كعلامة انتماء وحسب وإنّما أن ينظروا أيضًا إلى المصلوب، إلى هذا الإله الذي جعل من نفسه خطيئة كي ننال الخلاص.
يردّد يسوع ثلاثة مرّات للفريسيّين في إنجيل يوحنّا (8/ 21 -30) "ستموتونَ في خطاياكم" لأنَّ قلوبهم كانت مُغلقة ولم يفهموا سرّ الرّب. أن يموت المرء في خطيئته هو أمر سيّئ جدًّا، علمًا أن يسوع في حواره معهم قد ذكّرهم: "متى رَفَعتُمُ ابْنَ الإِنسان عَرَفتُم أَنِّي أَنا هو وأَنِّي لا أَعمَلُ شَيئًا مِن عِندي بل أَقولُ ما علَّمَني الآب".
وفي قوله هذا يشير يسوع إلى ما حصل في الصّحراء والذي تخبرنا عنه القراءة من سفر العدد (21/ 4 -9) والذي يخبرنا أنّه بعد أن أخرج موسى الشّعب من مصر، ضَجِرَت نُفوسُ الشَّعبِ في الطَّريق، وتَكَلَّمَ الشَّعبُ على اللهِ وعلى موسى فأَرسَلَ الرَّب على الشَّعبِ حَيَّاتٍ نارِيَّة، فلَدَغَتِ الشَّعب وماتَ قَومٌ كَثيرونَ من إِسرائيل فأَقبَلَ الشَّعبُ على موسى وقالوا: "قد خطِئنا، إِذ تَكَلَّمنا على الرَّبَ وعلَيكَ، فادعُ الرَّبَّ أَن يُزيلَ عَنَّا الحَيَّات". فَتضَرَّعَ موسى لأجلِ الشَّعب. فقالَ الرَّبُّ لِموسى: "اِصنَع لَكَ حَيَّةً وارفعها على سارِية، فكُلّ لَديغٍ يَنظر إِلَيها يَحيا".
الحية هي رمز الشّيطان، أب الكذب وأب الخطيئة والذي جعل البشريّة تُخطئ، ويسوع يذكّرنا في الإنجيل: "وأنا متى رُفعت جذبت إليَّ الكثيرين"، هذا هو سرُّ الصّليب. لقد كانت الحيّة النحاسيّة تشفي ولكنّها كانت علامة لأمرين: الخطيئة التي ارتكبتها الحيّة، وإغراء الحيّة ودهاءها وإنّما أيضًا علامة لصليب المسيح؛ لقد كانت نبوءة. وبالتالي جعل يسوع من نفسه خطيئة، كما يقول لنا القدّيس بولس، وأخذ على عاتقه ضعف وأخطاء البشريّة كلّها ورُفِع لكي ينظر إليه جميع الذين جرحتهم الخطيئة، وكلّ من لا يعترف في ذاك الرّجل بقوّة الله الذي صار خطيئة ليشفينا يموت في خطيئته.
إنّ الخلاص يأتي من الصّليب فقط وإنّما من ذاك الصّليب الذي هو الله المتجسّد وبالتالي لا خلاص بالأفكار أو بالإرادة الصّالحة والرّغبة في أن نكون صالحين... لا. لأن الخلاص الوحيد هو في المسيح المصلوب لأنّه وحده، كالحيّة النحاسية، قد أخذ سمّ الخطيئة كلّه وشفانا هناك. ولكن ما هو الصّليب بالنسبة لنا؟ صحيح أنّه علامة المسيحيِّين ونحن نرسم إشارة الصَّليب على جباهنا وأحيانًا أيضًا لا نرسمها بشكل جيّد لأننا لا نؤمن بالصّليب. وأحيانًا أيضًا يشكّل الصَّليب مجرّد علامة انتماء أي أحمل الصّليب لأُظهر للآخرين أنّني مسيحيّ، هذا أمر جيّد ولكنّه أيضًا ذكرى لذلك الذي جعل من نفسه خطيئة لأجلنا.
قال الله لموسى: "كُلّ لَديغٍ يَنظر إِلَى الحيّة يَحيا" وقال يسوع للفريسيِّين: "متى رَفَعتُمُ إبْن الإِنسان عَرَفتُم أَنِّي أَنا هو"، وبالتالي من لا ينظر إلى الصّليب بإيمان يموت في خطاياه ولا ينال الخلاص. تقدّم لنا الكنيسة اليوم حوارًا مع سرّ الصّليب هذا ومع ذاك الإله الذي جعل من نفسه خطيئة محبّة بنا، ويمكن لكلِّ فردٍ منّا أن يقول "محبّة بي" ويمكنه أن يفكِّر: كيف أحمل الصّليب؟ كمجرّد ذكرى؟ وعندما أرسم إشارة الصّليب هل أدرك معناها؟ كيف أحمل الصّليب؟ كمجرّد علامة انتماء؟ أم كحُلية من ذهب أو من أحجار كريمة؟ لينظر كلّ منّا اليوم إلى المصلوب ولينظر إلى هذا الإله الذي جعل من نفسه خطيئة لكي لا نموت في خطيئتنا وليُجب على هذه الأسئلة التي طرحتها عليكم.
إذاعة الفاتيكان.