أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت مقابلته العامّة اليوبيليّة مع المؤمنين في ساحة القدّيس بطرس واستهلّ تعليمه بالقول:
أرغب اليوم بالتأمُّل معكم حول جانب مهمّ من الرّحمة: المصالحة. الله لم يتوانَ قطّ عن تقديم مغفرته للبشر: فرحمته تدوم من جيل إلى جيل. غالبًا ما نعتبر أن خطايانا تُبعد الرّبّ عنّا: ولكن في الواقع، من خلال خطيئتنا، نحن نبتعد عنه، أمّا هو، وإذ يرانا في خطر يذهب أكثر بحثـًا عنّا. فالله لا يستسلم أبدًا لإمكانيّة أن يبقى أيُّ شخصٍ غريبًا عن محبّته، شرط أن يجد فيه بعض علامات التّوبة على الشّرّ الذي قام به.
لا يمكننا أن نتصالح مع الله بواسطة قِوانا فقط. الخطيئة هي بالفعل تعبير عن رفض محبّته ونتيجته الإنغلاق على أنفسنا موهمين ذواتنا بإيجاد حريّة واستقلاليّة أكبر. ولكن بعيدًا عن الله نفقد الهدف، ومن حجّاج في هذا العالم نتحوّل إلى "تائهين". وبحسب قول شائع، عندما نُخطئ، نحن "ندير ظهرنا لله".
وهكذا هو الأمر بالفعل؛ لأنّ الخاطئ يرى نفسه فقط ويدّعي بهذا الشّكل بأنّه يكفي ذاته؛ لذلك، توسِّع الخطيئة أكثر فأكثر المسافة بيننا وبين الله، ويمكنها بالتالي أن تُصبح هوَّة. وعلى الرّغم من ذلك، يأتي يسوع ليبحث عنّا كراع صالح لا يفرح إلاّ عندما يجد الخروف الضّال كما نقرأ في الإنجيل (لوقا ۱٥، ٤- ٦). هو يعيد بناء الجسر الذي يجمعنا بالآب ويسمح لنا بأن نجد مجدّدًا كرامة الأبناء. بتقدمة حياته صالحنا مع الآب وأعطانا الحياة الأبديّة (يوحنا ۱٠، ۱٥).
"دعوا الله يُصالحكم!" (۲ كور ٥، ۲٠): الصّرخة التي وجّهها بولس الرّسول لمسيحيّي كورنتس الأوائل، تصلح لنا اليوم جميعًا بالقوّة والقناعة عينهما. لندع الله يصالحنا! إنّ يوبيل الرّحمة هذا هو زمن مصالحة للجميع. يريد العديد من الأشخاص أن يتصالحوا مع الله ولكنّهم لا يعرفون كيف، أو يشعرون بأنّهم غير مستحقـِّين، أو لا يُريدون حتّى الإقرار به لأنفسهم.
يمكن للجماعة المسيحيّة لا بل ينبغي عليها أن تُعزّز العودة الصّادقة إلى الله للذين يشعرون بالشّوق إليه. إنّ الذين يقومون "بخدمة المصالحة" (۲ كور ٥، ۱٨) مدعوّون بشكلٍ خاصّ ليكونوا أدوات طائعة للرّوح القدس، كيما، وحيث كثُرت الخطيئة تفيض رحمة الله بغزارة (راجع روما ٥، ۲٠). لا يبقينَّ أحد بعيدًا عن الله بسبب الحواجز التي يضعها البشر!
وهذا الأمر يصلح أيضًا – وأقوله مشدّدًا – للمعرّفين: من فضلكم لا تضعوا الحواجز للأشخاص الذين يريدون أن يتصالحوا مع الله. ينبغي على المعرّف أن يكون أبًا! لأنّه في الإعتراف يحلّ محلّ الله الآب! على المُعرِّف أن يستقبل الأشخاص الذين يأتون إليه ليتصالحوا مع الله وليساعدهم في مسيرة المصالحة هذه التي يقومون بها.
إنّها خدمة جميلة وليست غرفة تعذيب أو استجواب، لا! لأنّ الآب هو الذي يستقبل، الله الآب ويسوع يستقبلان هذا الشّخص ويغفران له. لندع الله يُصالحنا جميعًا! لتكن هذه السّنة المقدّسة زمنًا ملائمًا لإعادة اكتشاف الحاجة لحنان الآب وقربه وللعودة إليه بملئ القلب.
إنّ اختبار المصالحة مع الله يسمح باكتشاف الضّرورة لأشكال مصالحة أخرى: في العائلات وفي العلاقات الشخصيّة والجماعات الكنسيّة كما في العلاقات الإجتماعيّة والدّوليّة. لقد قال لي أحدهم، خلال الأيّام الماضية، أنّ الأعداء في العالم هم أكثر من الأصدقاء وأعتقد أنّه مُحِقّ! لنبنِ جسور مصالحة بين بعضنا البعض بدءً من عائلاتنا. كم من الإخوة قد اختلفوا وابتعدوا عن بعضهم البعض بسبب الميراث!
هذا الأمر لا يصُحّ! هذه السّنة هي سنة المصالحة مع الله ومع بعضنا البعض! فالمصالحة في الواقع هي أيضًا خدمة للسّلام وللإعتراف بحقوق الأشخاص الأساسيّة للتضامن ولاستقبال الجّميع. لنقبل إذًا الدّعوة بأن ندع الله يُصالحنا لنصبح خلائق جديدة ونتمكّن من أن نعكس شعاع رحمته في وسط الإخوة والبشر.
إذاعة الفاتيكان.