الماضي والحاضر والمستقبل

متفرقات

الماضي والحاضر والمستقبل

 

 

 

 

 

"ليحرّرنا الله من الخطيئة التي تشلّنا كمسيحيِّين ومن الجُبن والخوف من كلِّ شيء اللذان يمنعاننا من التحلّي بالذاكرة والرّجاء والشّجاعة والصبر".

 

 

استهلّ الأب الأقدس عظته انطلاقـًا من الرّسالة إلى العبرانيِّين (10/ 32 -39) وقال:

 

تحثّنا الرّسالة إلى العبرانيّين على عيش حياة مسيحيّة تتمحور حول ثلاث نقاط: الماضي والحاضر والمستقبل. وبالتالي تدعونا أوّلاً لنتذكَّر، لأنّ الحياة المسيحيّة لا تبدأ اليوم وإنّما تتابع اليوم، والذّكرى هي تذَكُّر كلّ شيء الأشياء الصّالحة وغير الصّالحة، أي أن نضع تاريخنا أمام الله بدون أن نخفيه أو نخبّئه.

 

 "أَيُّها ٱلإِخوَة، أُذكُروا أَوَّلَ عَهدِكُم. فَما إِن تَلقَّيتُمُ ٱلنّور، حَتّى تَحَمَّلتُم الآلام. فَصِرتُم تارَةً عُرضَةً لِلتَّعيير والشَّدائِد، وَتارَةً شُرَكاءَ الَّذينَ عومِلوا بِمِثلِ ذَلِك..." (عب 10، 32- 33). بدون الذّكرى لا يمكننا أن نفهم الحياة المسيحيّة أو الحياة الروحيّة اليوميّة، لا بل لا يمكننا أن نعيش حياة مسيحيّة بدون الذّكرى: ذكرى خلاص الله في حياتي، ذكرى مشاكلي وصعوباتي في حياتي وكيف خلّصني الله منها. الذّكرى هي نعمة ينبغي علينا أن نطلبها: "يا ربّ إجعلني لا أنسى ماضيك في حياتي والأوقات الجيّدة والسّيئة أيضًا والأفراح والصّلبان". إنّ المسيحيّ هو رجل ذكرى.

 

 يساعدنا كاتب الرّسالة إلى العبرانيِّين كي نفهم أنّنا في مسيرة انتظار شيء ما، ننتظر أن نبلغ نقطة معيّنة: اللقاء بالرّبّ ويحثنا لنعيش بإيمان، وأن ننظر إلى المستقبل برجاء. فكما لا يمكننا أن نعيش حياة مسيحيّة بدون أن نتذكّر الخطوات التي قمنا بها هكذا أيضًا لا يمكننا أن نعيش حياة مسيحيّة بدون أن ننظر إلى المستقبل برجاء اللقاء بالرّبّ.

 

ويقول لنا كاتب الرّسالة جملة جميلة: "قَليلاً، قَليلاً مِنَ الوَقتِ، فَيَأتي الآتي وَلا يُبطِئ..." فالحياة غفلة وتمُرّ... عندما يكون المرء شابًّا يعتقد بأنّ الوقت لا يزال أمامه ولكن الحياة تعلّمنا تلك الكلمات التي نردّدها جميعًا: "كم يمرُّ الوقت مسرعًا! لقد تعرّفت على فلان وهو طفل وها هو الآن يتزوّج... كم يمرّ الوقت مسرعًا!" قَليلاً مِنَ الوَقتِ، فَيَأتي الآتي، ولكن الرّجاء في لقائه هو حياة تقوم بين الذكرى والرّجاء، بين الماضي والمستقبل.

 

في الختام تدعونا الرّسالة لعيش الحاضر الأليم والمحزن أحيانًا بصبر وشجاعة، أي بصدق وبدون خجل متحمّلين أحداث الحياة ومتقبّلين كلّ شيء؛ فجميعنا خطأة ولكنّنا نسير قدمًا بشجاعة وصبر، فلا نراوحنَّ مكاننا إذًا لأنّ هذا الأمر يمنعنا من النمو.

 

بعدها يحثّنا كاتب الرّسالة إلى العبرانيِّين للابتعاد عن الخطايا التي تمنعنا من التحلّي بالذّكرى والرّجاء والشّجاعة والصّبر؛ إن الجُبن هو خطيئة تمنعنا من السَّير قدمًا، فيما يقول لنا يسوع لا تخافوا، والجبناء هم الذين يتراجعون على الدّوام ويحافظون على أنفسهم لأنّهم يخافون من كلِّ شيء، فلا يجازفون ويطبّقون بحذر جميع الوصايا... إنّه أمر جيّد ولكنّه يشلّك أحيانًا ويجعلك تنسى النِعَم العديدة التي نلتها وينتزع منك الذّكرى والرّجاء لأنّه يمنعك من المضي والسَّير؛ فيصبح حاضر المسيحيّ: مثل امرئ انطلق في مسيرته ففاجأه المطر لكن ثيابه لم تكن ذات نوعيّة جيّدة فضاق القماش... نفوس ضيّقة... هذا هو الجُبن، إنّه الخطيئة ضدّ الذّكرى والشّجاعة والصّبر والرّجاء.

 

ليجعلنا الرّبّ ننمو في الذّكرى والرّجاء وليعطنا الشجاعة والصبر يوميًّا ويحرّرنا من كلِّ جُبنٍ وخوف، لأنّ يسوع يقول لنا: "من يُريدُ أَن يُخَلِّصَ حَياتَه يَفقِدُها وأَمَّا الَّذي يَفقِدُ حَياتَهُ في سبيلي فإِنَّه يَجِدُها" (متى16/ 25).

 

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.