المؤمن سكنى الله الثالوث

متفرقات

المؤمن سكنى الله الثالوث

                     

 

المؤمن سكنى الله الثالوث

                                                                                                                                        

تحتفل الكنيسة بعيد الثالوث الأقدس، الآب والابن والروح القدس، في هذا الأحد الذي يلي عيد حلول الروح القدس الذي يقود الكنيسة، بأبنائها وبناتها، للدخول، بنعمة الفداء، في الحياة الإلهيّة. إنّه دخول في شركة الاتّحاد بالآب والإبن والروح القدس. فمحبّة الآب تظلّلهم، ونعمة الابن تقدّسهم، وحلول الروح القدس يجري فيهم ثمار الفداء. وتصبح حياة الكنيسة والمؤمنين وأعمالها وأعمالهم تبدأ باسم الثالوث القدّوس، وتنتهي بتمجيده.

 

أولاً، شرح نص الانجيل

 

من إنجيل القديس متى 28: 16-20

  

قالَ متَّى الرَسُول: أَمَّا التَلامِيذُ الأَحَدَ عَشَرَ فذَهَبُوا إِلى الجَلِيل، إِلى الجَبَلِ حَيثُ أَمَرَهُم يَسُوع. ولَمَّا رَأَوهُ سَجَدُوا لَهُ، بِرَغْمِ أَنَّهُم شَكُّوا. فدَنَا يَسُوعُ وكَلَّمَهُم قَائِلاً: «لَقَدْ أُعْطِيتُ كُلَّ سُلْطَانٍ في السَمَاءِ وعَلى الأَرْض. إِذْهَبُوا إِذًا فَتَلْمِذُوا كُلَّ الأُمَم، وعَمِّدُوهُم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُوحِ القُدُس، وعَلِّمُوهُم أَنْ يَحْفَظُوا كُلَّ مَا أَوْصَيْتُكُم بِهِ. وهَا أَنَا مَعَكُم كُلَّ الأَيَّامِ إِلى نِهَايَةِ العَالَم».   

 

1. أعطى يسوع رسله الأحد عشر أخر موعد على الجبل في الجليل. منه أطلق دستور الحياة المسيحيّة، المعروف بعظة التطويبات (متى 5: 1-12). وعليه تجلّى ببهاء ألوهيّته (مر9: 1-7). ومنه سيصعد إلى السماء. إنّه بذلك يدعونا لنرتفع إلى فوق، إلى قمم الروح. لم يعدنا يسوع بالأرضيّات بل بالسماويات. نحن لا نكره الأرض ولا نتخلّى عنها ولا نهملها، بل ينبغي أن نحقّق عليها ملكوت الله، ملكوت المحبة والعدالة والحرية والسلام. لكنّها ليست وطننا الدائم، بل نسعى، من خلال العمل فيها بالقيم العليا، إلى الوطن السماوي الأبدي. يقول لنا الربّ يسوع: "أنتم في العالم، ولكنّكم لستم من العالم" (يو17: 14 و16).

 

الجبل هو مكان الهدوء، البعيد عن ضجيج العالم. وهو برمزيّته المكان الأقرب من السماء حيث سكنى الله في الأعالي. فكلّما ارتفعت حسّيًّا وروحيًّا، اقتربت من الله. يسوع نفسه كان يختلي على الجبل للصلاة.

 

فكان التقليد ببناء الأديار على رؤس الجبال، لكي يختلي الرهبان المكرّسون في اللقاء الروحي مع الله، ولكي يتعالوا عن شؤون الأرض ومغرياتها. وكانوا أيضًا يبنون الأديار في عمق الأودية، لاعتبار الوادي "جبلًا بالمقلوب"، من أجل الدخول في أحضان الطبيعة الي ترسم صورة بهيّة عن جمال الله. ومنها يتطلّعون إلى السماء التي لا يرون سواها.

 

من الجبل أرسلهم، وهم كهنة العهد الجديد، وأشركهم برسالته المثلّثة: الكرازة بكلام الله: "إذهبوا وتلمذوا كلّ الأمم"، وتقديس النفوس بنعمة الأسرار التي بابها المعمودية: "وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس"، وتدبير شؤون المؤمنين بقاعدة المحبّة: "وعلِّموهم أن يحفظوا كلّ ما أوصيتُكم به" (الآيتان 19 و20). إنّهم يمارسون رسالتهم هذه بسلطان إلهي: "لقد أُعطيت كلّ سلطان في السماء وعلى الأرض (الآية 18).

 

أما الفاعل من خلالهم فهو المسيح الربّ: "وها أنا معكم طول الأيام إلى انقضاء الدهر" (الآية 20). الرسالة المثلّثة هذه الموكولة إلى الكنيسة برعاتها ومؤمنيها هي رسالة المسيح نفسه، الذي هو النبي بامتياز، لكونه في آن المعلّم والكلمة؛ والكاهن بامتياز، لكونه هو ذاته الذبيحة؛ والملك بامتياز، لكونه الراعي والحظيرة، الملك والمملكة.

 

هذه الرسالة المثلَّثة أُوكلت إلينا بالمعمودية والميرون في الكهنوت العامّ، وبالدرجات المقدّسة في كهنوت الخدمة.

 

3. إنّها رسالة مثلّثة متكاملة، لا تنفصل عناصرها الواحد عن الآخر:

 

أ- "تلمذوا كلّ الأمم": إحملوا بشرى الإنجيل لجميع الشعوب، من أجل إسعادهم وفرحهم. وهما ثمرة الإيمان الذي يولد من سماع البشرى، من التتلمذ: سيقول بولس الرسول: "الإيمان من السماع. والسماع من التبشير (روم10: 17).

 

ب- "عمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس": إجعلوهم ابناء وبنات لله، بولادتهم الثانية من الماء والروح (يو3: 5؛ 1: 12-13). مَن يؤمن يطلب المعمودية، الولادة الجديدة بالمسيح، والبنوّة لله بالابن الوحيد (راجع معمودية وزير ملكة الحبشة على يد فيليبس: أع 8: 26-38). بالعودة إلى كلام بولس الرسول، نسمعه يقول: "مَن يدعو باسم الربّ يخلص. ولكن كيف يدعونه وما آمنوا به؟" (روم10: 13-14).

 

ج- "وعلّموهم أن يحفظوا ما أوصيتكم به": ساعدوهم على الالتزام اليومي بتعليمي، لكي يبنوا جماعة المحبة. وصايا الربّ وتعليمه هي "خارطة الطريق". الإيمان يتجسّد في الأعمال وفي الخليقة الجديدة، وفي المسلك بحسب الإنسان الجديد، على ما يوصي القدّيس بولس الرسول: "أتركوا سيرتكم الأولى بترك الإنسان القديم الذي أفسدته الشهوات الخادعة. وتجدّدوا روحًا وعقلًا، والبسوا الإنسان الجديد الذي خلقه الله على صورته في البرّ وقداسة الحقّ" (أفسس 4: 22-24).

 

هذا يذكّرنا بجواب القدّيسة تقلا، عندما سألتها أمّها عن التغيير الجذري في حياتها، إذ قالت: "انه ثمرة اصطباغي بمعمودية المسيح". فتقلا تتلمذت على يد بولس الرسول.

 

4. في عيد الثالوث الأقدس تبدأ الكنيسة رسالتها المثلّثة بإرسال إلهي من فم المسيح الربّ، بقوله: "إذهبوا" و"أنا معكم طول الأيام إلى انقضاء الدهر".

 

نعود فنقرأ نصّ القديس بولس الرسول: كيف يدعون باسم الربّ ليخلصوا، وما آمنوا به؟ وكيف يؤمنون وما سمعوا به؟ وكيف يسمعون من دون مبشّر؟ وكيف يبشّرهم من دون أن يرسله الله؟... فالإيمان إذًا من السماع، والسّماع هو من التبشير بالمسيح" (روم10: 13-15 و17).

 

*   *   *

 

ثانياً، الجمعيّة العموميّة لسينودس الأساقفة الخاصّة بالشبيبة: "الشباب والإيمان وتمييز الدّعوة".

 

نبدأ اليوم بنقل مضامين الفصل الأوّل، وهو بعنوان:  الشباب في عالم اليوم.

 

1. لا يعيش الشباب في عالم واحد، بل في عدّة عوالم مختلفة:

أ- إختلاف في الديناميّات الديموغرافيّة التي تقسم العالم بين بلدان كثيرة الولادات، وعنصر الشباب كبير فيها؛ وبلدان قليلة الولادات، وعنصر الشباب قليل.

ب- إختلاف في التاريخ الذي يقسم البلدان لناحية تقاليدها إمّا المسيحيّة، ذات التّقليد التاريخي الحامل حضارة خاصّة، وإمّا الدّينية الأخرى حيث المسيحيّون يشكّلون أقلّية عدديّة.  وهذا عنصر ذو تأثير بالغ على الشّبيبة المسيحيّة.

ج- إختلاف في الجنس بين ذكور وإناث. ففضلاً عن المشاعر الخاصّة لدى كلّ جنس، يوجد في بعض المجتمعات أشكال تسلّط وإقصاء وتمييز، وهي بحاجة إلى التّحرّر منها.

الشباب، موضوع جمعيّة سينودس الاساقفة، هم الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 29 سنة.

 

2. يعيش شباب اليوم في عالم يتغيّر بسرعة، فيضعهم في حالة عدم إستقرار. ما يقتضي إلقاء نظرة شاملة على الأشياء، واكتساب قدرة البرمجة على مدى طويل، مع الإنتباه إلى نتائج الخيارات المأخوذة وإمكانيّة المعالجة اليوم وفي الأزمنة  والأمكنة البعيدة.

إنّ لتنامي اللاإستقرار تداعياتٍ ومصاعبَ على كلّ من صعيد الإقتصاد والعمل والبطالة واستغلال القاصرين والسياسة والإجتماع والبيئة، وبالتالي على تزايد عدد المهاجرين واللاجئين.

 

3. الأجيال الجديدة تتميّز بشباب يعيشون في عالم مختلف عن أجيال أبنائهم ومربّيهم، ولا سيّما على صعيد العلاقات والتّقاليد.

 

فالتنقّل من القرية أو البلدة إلى العيش في المدينة، والهجرة ومتابعة الدروس والعمل خارج الوطن، تضع الشّباب أمام تحدّي التّعدّدية الثّقافيّة، وما تجلب معها من اختلافات عن ثقافتهم الأصلية التي كوّنت شخصيّتهم.

 

ومن ناحية أخرى يعيش شباب اليوم تحت ظروف قاسية، يصعب عليهم فيها اتّخاذ خيارات حياة صحيحة، بسبب عدم توفّر المجالات لممارسة حريّتهم. لنفكّر بالذين يعيشون في أوضاع فقر واستبعاد؛ وبالذين يعيشون من دون أهل وعائلة ومدرسة. ولنفكّر بشبيبة وأطفال الشّارع في العديد من ضواحي المدن؛ وبالشّباب العاطلين عن العمل، والنّازحين واللّاجئين والمشرّدين؛ وبالشّباب ضحايا الإستغلال والإتجار بالبشر والإستعباد؛ والشّباب المجنّدين قسرًا في الميليشيات وحركات المرتزقة؛ وبالفتيات المرغمات على الزّواج قسرًا.

 

الكنيسة مدعوّة لتشمل كلّ هؤلاء بعنايتها الرّاعويّة وتكون بالقرب منهم في مختلف حالاتهم.

 

*   *   *

 

صلاة

أيها الربّ يسوع، بسرّ فدائك أدخلتَنا في شركة الاتّحاد بالثالوث القدّوس، وأشركتنا في الحياة الإلهيّة، فتظلّلنا محبّة الأب، وتقدّسنا نعمتك، ويحيينا روحك القدّوس. وبنتيجة هذا الدخول في الحياة الإلهيّة أوكلت إلى الكنيسة، برعاتها ومؤمنيها، رسالتك الخلاصيّة المثلّثة: الكرازة بالكلمة الإلهيّة، وتقديس النفوس بنعمة الأسرار، وبناء جماعة المحبة. فالشكر لك يا ربّ. ومنك نلتمس الأمانة والالتزام بهذه الرسالة التي أشركتنا فيها بالمعمودية والدرجات المقدّسة. فننشد على الدوام تسبحة المجد للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

*   *   *

 

موقع بكركي - التنشئة المسيحية