الصلاة من أجل الأحياء والموتى

متفرقات

الصلاة من أجل الأحياء والموتى

 

 

 

 

 

 

 

أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامّة مع المؤمنين في قاعة بولس السّادس في الفاتيكان واستهلّ تعليمه الأسبوعيّ بالقول:

 

مع تعليم اليوم نختتم سلسلة التعاليم المخصّصة للرّحمة؛ لنشكر الربّ على هذا كلّه ولنحافظ عليه في قلوبنا كعزاء وتعزية.

 

 إنّ عمل الرّحمة الرّوحيّ الأخير يطلب منّا أن نصلّي من أجل الأحياء والموتى، ويمكننا أن نرافقه أيضًا بآخر عمل رحمة جسديّ الذي يدعو لدفن الموتى. يمكنه أن يبدو طلبًا غريبًا ولكن وفي بعض المناطق في العالم التي تعيش تحت نير الحرب والقصف الذي يزرع ليلاً ونهارًا الخوف والضحايا الأبرياء، نرى وللأسف أنّ هذا العمل آني.

 

يُعطينا الكتاب المقدّس مثالاً جميلاً بهذا الخصوص: مثال الشيخ طوبيا الذي وإذ كان يخاطر بحياته كان يدفن الموتى بالرّغم من تحريم الملك (طوبيا الفصل الأوّل). واليوم أيضًا هناك من يخاطر بحياته كي يدفن ضحايا الحرب المساكين. وبالتالي فعمل الرّحمة الجسديّ هذا ليس بعيدًا عن حياتنا اليوميّة؛ ويجعلنا نفكّر بما حصل يوم جمعة الآلام عندما كانت العذراء مريم مع يوحنّا وبعض النساء عند أقدام صليب يسوع. بعد موته، جاء يوسف الرّامي، رجل غني وكانَ هُوَ أَيضاً قد تَتَلمَذَ لِيَسوع وقدّم له قبره الجديد المحفور في الصخر؛ وذَهبَ شخصيًّا إِلى بيلاطُسَ وطَلَبَ جُثمانَ يسوع: عمل رحمة حقيقي قام به بشجاعة كبيرة! يشكل الدفن بالنسبة للمسيحيّين فعل شفقة وإنّما أيضًا فعل إيمان كبير. نضع في القبر أجساد أحبّائنا راجين قيامتهم. إنّه طقس ذات أهميّة كبيرة بالنسبة لشعبنا ويجد صداه المميّز في شهر تشرين الثاني هذا المكرّس بشكل خاصّ لتذكار الموتى والصّلاة من أجلهم.

 

 أمّا الصّلاة من أجل الموتى فهي أوّلاً علامة امتنان للشهادة التي تركوها لنا والخير الذي صنعوه. إنّها شكر للرَّبّ على إعطائنا إيّاهم وعلى محبّتهم وصداقتهم، والكنيسة تصلّي من أجل الموتى بشكلٍ خاصّ خلال الذبيحة الإلهيّة، فيقول الكاهن: "اذكر، يا ربّ، أيضا عبادك الذين سبقونا بعلامة الإيمان، ورقدوا في السّلام. ونسألك، يا ربّ، أن تسكنهم، وجميع الرّاقدين في المسيح، مقرّ السّعادة والنّور والسّلام". ذكر بسيط وفعّال ومفعم بالمعاني لأنّه يكل أحبّاءنا إلى رحمة الله. نصلّي برجاء مسيحيّ كي يكونوا معه في الفردوس، في انتظار اللقاء معًا في سرّ المحبّة الذي لا نفهمه ولكنّنا نعرف بأنّه حقيقيّ لأنّه وعد قطعه يسوع لنا.

 

 لا ينبغي على تذكار الموتى المؤمنين أن يجعلنا ننسى الصلاة من أجل الأحياء الذي يواجهون معنا يوميًّا صعوبات الحياة. تظهر ضرورة هذه الصّلاة أكثر وضوحًا إن وضعناها في ضوء إعلان الإيمان الذي يقول "أؤمن بشركة القدّيسين". إنّه السرّ الذي يعبّر عن جمال الرّحمة التي أظهرها يسوع لنا.

 

في الواقع، تشير شركة القدّيسين إلى أنّنا نغوص جميعًا في حياة الله وأنّنا نعيش في محبّته. جميعنا، أحياء وأموات، نقيم في الشّركة أي في جماعة الذين نالوا المعموديّة وتغذوا بجسد المسيح ويشكّلون جزءًا من عائلة الله الكبيرة.

 

 ما أكثر الأساليب التي يمكننا من خلالها أن نصلّي من أجل قريبنا! جميعها صالحة ومقبولة لدى الله إن قمنا بها بكلّ قلبنا. أفكّر بشكلٍ خاصّ بالأمّهات والآباء الذين يباركون أبناءهم في الصباح والمساء، وفي الصّلاة من أجل المرضى؛ وبالشفاعة الصامتة والمجبولة أحيانًا بالدّموع في العديد من الأوضاع الصعبة، وإنّما أفكر أيضًا بالشّكر من أجل خبر سار يتعلّق بصديق أو قريب أو زميل... وأحيانًا وكما يقول القدّيس بولس: "فإِنَّ الرُّوحَ أَيضاً يَأتي لِنَجدَةِ ضُعْفِنا لأَنَّنا لا نُحسِنُ الصَّلاةَ كما يَجب، ولكِنَّ الرُّوحَ نَفسَه يَشفَعُ لَنا بأَنَّاتٍ لا تُوصَف" (روما 8، 26).

 

لنفتح إذًا قلوبنا فيتمكّن الرّوح القدس، وإذ يسبر أعماق رغباتنا، من تنقيتها وتحقيقها. ولنطلب على الدّوام من أجلنا ومن أجل الآخرين أن تتمّ مشيئة الله، كما نقول في "صلاة الأبانا"، لأنّ مشيئته هي بالتأكيد الخير الأكبر، خير أب لا يتركنا أبدًا: لنصلِّ إذًا ولنسمح للرّوح القدس بأن يصلّي فينا؛ وهذا أمر جميل في حياتنا أن نصلّي ونشكر الله ونسبّحه ونطلب منه باكين عندما نكون في صعوبة ما، لكن لنترك قلوبنا مفتوحة على الدوام ليتمكّن الروح القدس من أن يصلّي فينا ومعنا ومن أجلنا.

 

وإذ نختتم هذه التعاليم حول الرّحمة لنلتزم في الصّلاة من أجل بعضنا البعض لكي تصبح أعمال الرّحمة الروحيّة والجسديّة أسلوبًا لحياتنا!    

 

 وجّه قداسة البابا فرنسيس نداءين، وأشار أولاً إلى اليوم العالميّ لمكافحة الإيدز، غدًا الخميس، الأول من كانون الأول ديسمبر، وقال إن ملايين الأشخاص يتعايشون مع هذا المرض، نصفهم فقط يحصل على علاجات منقذة للحياة.

 

ودعا الأب الأقدس للصلاة من أجلهم ومن أجل أقاربهم، وإلى تعزيز التضامن كي يتمكّن الأكثر فقرًا أيضًا من الاستفادة من التشخيص والعلاج الملائم، ووجّه نداء كي يتبنّى الجميع تصرّفات مسؤولة لتفادي المزيد من انتشار هذا المرض.

 

ثمّ قال البابا فرنسيس، بمبادرة من فرنسا والإمارات العربيّة المتحدة، وبالتعاون مع اليونسكو، يُعقد في أبو ظبي يومَي الثاني والثالث من كانون الأول ديسمبر القادم، مؤتمر دولي حول حماية التراث في مناطق النزاع. وإذ أشار إلى أنّه ويقينًا بأنّ حماية الثروات الثقافيّة تشكّل بُعدًا أساسيًا لحماية الكائن البشريّ، أمل قداسة البابا فرنسيس أن يشكّل هذا الحدث مرحلة جديدة في مسيرة تطبيق حقوق الإنسان.  

 

 

إذاعة الفاتيكان.