"الله يصالح ويحقّق السّلام "في الصغر" من خلال مسيرته مع شعبه" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الثلاثاء في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان.
إستهلّ الأب الأقدس عظته إنطلاقـًا من عيد ميلاد سيّدتنا مريم البتول الذي تحتفل به الكنيسة اليوم ليتوقف في تأمّله الصباحيّ عند الدعوة الموجّهة لنا جميعًا لنكون متواضعين وقريبين من الآخرين كما تُعلّمنا التطويبات في الفصل الخامس من إنجيل القدّيس متّى (متى 5/ 1-12).
كيف يصالح الله؟ ما هو الأسلوب الذي يستعمله؟ تمحورت عظة الأب الأقدس حول هذين التساؤلين وقال إن مهمّة يسوع تقوم أساسًا على المصالحة وتحقيق السّلام. لكنّ الله لا يصالحنا من خلال إمضاء وثيقة ما، وإنّما من خلال أسلوبه الخاص فهو يُصالحنا ويحقـّـق السّلام "في الصّغر" وفي المسيرة.
بعدها انتقل الأب الأقدس للحديث عن القراءة الأولى من سفر النبيّ ميخا (مي 5 /1-4 أ) التي نقرأ فيها عن بيت لحم أصغر مدن يهوذا والتي منها سيأتي السّلام. فالرّبّ يختار الصغير والمتواضع على الدّوام ليقوم بالعظائم، ويحثّنا لنكون بدورنا كالأطفال لنتمكّن من دخول ملكوت السّماوات. فالله يصالح ويحقّق السّلام "في الصغر".
وإنّما في المسيرة أيضًا، فالرّبّ لم يُرد أن يُصالح ويحقّق السّلام بواسطة عصا سحريّة، بل سار مع شعبه وعندما سمعنا إنجيل النسبة بحسب القدّيس متّى (متى 1/ 1-23) شعرنا بأنّه ممل قليلاً: "إبْراهيم وَلَدَ إِسْحق وإِسْحق وَلَدَ يَعْقوب ويَعْقوب ولَدَ يَهوذا ..." إنّها لائحة أسماء، ولكنّها تشير إلى مسيرة الله بين البشر الصّالحين والأشرار، لأن هذه اللائحة وبالإضافة إلى أسماء القدّيسين تتضمّن أيضًا أسماء مجرمين وخطأة وبالتالي نجد الكثير من الخطايا في هذه المسيرة، لكن الله لا يخاف بل يسير مع شعبه. وفي مسيرته هذه ينمّي رجاء شعبه، الرّجاء بالمسيح المنتظر. فإلهنا هو إله قريب يسير مع شعبه.
بعدها تساءل الأب الأقدس كيف ينبغي علينا إذًا أن نسير نحن كمسيحيّين لنحقّق السّلام على مثال يسوع؟ من خلال عيش المحبّة تُجاه القريب كما يعلّمنا الفصل الخامس من إنجيل القدّيس متّى. لقد كان الشعب يحلم بالحريّة. هذا كان حلم شعب إسرائيل لأنّه كان موعود بالحريّة والمصالحة والسّلام. ويوسف قد حلم، وفي حلمه نجد ملخّص تاريخ مسيرة الله مع شعبه بأسرها. ولكن يوسف ليس الوحيد الذي يحلم، لأنّ الله أبانا يحلم أيضًا ويحلم بأشياء جميلة لشعبه ولكلِّ فردٍ منا، لأنّ الآب يريد دائمًا الأفضل لأولاده.
الله قدير وعظيم لكنّه يعلّمنا أنّ عمل المُصالحة الكبير وتحقيق السّلام يتمُّ "في الصِّغر" وفي المسيرة، في عدم فقدان الرّجاء وبالقدرة على أن نحلم أحلامًا كبيرة. واليوم في عيد ميلاد سيّدتنا مريم البتول لنطلب نعمة الوحدة والمصالحة والسّلام، وإنّما دائمًا في السَّير بالقرب من الآخرين كما تعلمنا التطويبات في الفصل الخامس من إنجيل القدّيس متّى (متى 5/ 1-12)؛ ولنتابع احتفالنا بذكرى الرّبّ "في الصِّغر" في قطعة الخبز الصغيرة وفي القليل من الخمر... ولكن في هذا الصِّغر نجد كلّ شيء. نجد حلم الله ومحبّته، سلامه ومصالحته، نجد يسوع الذي هو كلّ شيء.
إذاعة الفاتيكان.