"إنَّ الرّجاء برحمة الله يفتح الآفاق ويحرّرنا فيما أنَّ التشدُّد يُغلق القلوب ويُسبّب أذىً كبيرًا" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئّسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الإثنين في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان.
إستهلّ الأب الأقدس عظته بالقول: تُحدّثنا القراءة من سفر العدد (24/ 2- 7) عن بلعام نبيّ استأجره أحد الملوك لِيَلعَن اسرائيل، لقد كان بلعام شخص له نواقصه وخطاياه، ككلِّ فرد منّا، لكلّ ٍ منَّا خطاياه وجميعنا خطأة، ولكن لا ينبغي علينا أن نخاف لأنَّ الله أكبر من خطايانا.
خلال مسيرته التقى بلعام بملاك الرّبّ وحوّل قلبه، لم ينتقل من فريق إلى آخر بل انتقل من الخطأ إلى الحقيقة وتكلّم عمّا رأى، لقد كان شعب الله يُقيم في الخيم في الصّحراء ولكنّ بلعام رأى أبعد من الصّحراء وأعلن "ما أَجمَلَ خِيامَكَ يا يَعْقوب وأخبيتَك يا إِسْرائيل. مُنبَسِطَةٌ كأَودِيَة وكَجَنَّاتٍ على نَهْر وكأَغراس عودِ غَرَسَها الرَّبّ وكأَرزٍ على مِياه. يجري الماءُ من دِلائِهِ وزرعهُ في ماءِ غزير". لقد فتح قلبه وتاب، لقد رأى أبعد ورأى الحقيقة لأنّه من خلال الإرادة الصّالحة يتمكّن المرء على الدّوام من رؤية الحقيقة، وهي حقيقة تُعطي الرّجاء.
إنّ الرّجاء هو تلك الفضيلة المسيحيّة التي نملكها عطيّةً كبيرةً من الرّبّ وتجعلنا نرى أبعد من المشاكل والألم والصّعوبات، أبعد من خطايانا. تجعلنا نرى جمال الله. عندما ألتقي بشخص يملك فضيلة الرّجاء هذه، حتّى وإن كان يعيش مرحلة صعبة في حياته، مرضٌ معيّنٌ أو قلق بسبب ابنٍ أو ابنة أو أحد افراد العائلة، ولكنّه يملك هذه الفضيلة، فهو شخص يرى أبعد بالرّغم من ألمه ويملك حريّة النظر أبعد. هذا هو الرّجاء. وهذه هي النبوءة التي تعطيها الكنيسة لنا اليوم: نحن بحاجة لرجال ونساء رجاء حتى وسط الألم. الرّجاء يفتح الآفاق لأنّ الرّجاء حرٌّ وليس عبدًا ويجد دائمًا السبيل ليحسّن الأوضاع.
نرى في الانجيل الذي تقدّمه لنا الليتورجيّة اليوم رؤساء الكهنة الذين يسألون يسوع بأي سلطان يقوم بما يقوم به. إنّهم أشخاص بلا آفاق... أشخاص منغلقون في حساباتهم وعبيد لتشدُّدهم. إنّ الحسابات البشريّة تغلق القلب وتأسر الحريّة، فيما أنّ الرّجاء يُحرّرهما.
ما أجمل الحريّة والمغفرة والرّجاء في رجال ونساء الكنيسة. والعكس صحيح ما أبشع التّشدّد في نساء ورجال الكنيسة وما أكبر الأذى الذي يسبّبه. إنّه تشدّد بدون رجاء.
وبالتالي هناك دربان خلال سنة الرّحمة هذه.
هناك من يثق برحمة الله ويعرف أنّ الله هو أب؛ الله يغفر كلّ شيء على الدّوام؛ فخلف الصّحراء نجد عناق الآب والمغفرة.
ومن ثمَّ هناك الذين يختبؤن في عبوديّاتهم وتشدُّدهم ولا يعرفون شيئًا عن رحمة الله على مثال علماء الشّريعة الذين درسوا ولكن علمهم لم يخلّصهم.
وختم البابا فرنسيس عظته بالكلام عن حادثة عاشها عام 1992 في بوينوس آيرس خلال قدّاسٍ للمرضى .قال : وفيما كنت في كرسيّ الإعتراف وبعد ساعات طويلة وصلت سيّدة مسنّة وعينيها مليئتين بالرّجاء فسألتها: "هل تريدين التقدّم من سرّ الاعتراف؟"، لأنّني كنت أنوي الذهاب فأجابتني "نعم"، فقلت لها مُمازحًا: "لكن ليس لديك خطايا"، فأجابتني: "يا أبتي جميعنا لدينا خطايا!" فتابعتُ: "ولكن هل يغفرها الرّبّ كلّها" نعم - أجابت - الرّبّ يغفر كلّ شيء، فسألتها: "وكيف تعرفين هذا" فأجابت: "لو لم يكن الأمر هكذا لزال العالم من الوجود!".
وبالتالي تابع البابا فرنسيس يقول إزاء هذين النوعين من الأشخاص: الحرّ والمفعم بالرّجاء هو الذي يحمل لك رجاء الله والمنغلق هو عبد الشّريعة والتشدُّد. لنتذكّر على الدوام هذا الدّرس الذي تُعلّمنا إيّاه هذه المرأة المُسنّة: الله يغفر كلّ شيء ولكنّه ينتظر منك فقط أن تقترب منه!
إذاعة الفاتيكان.