"الإيمان بيسوع هو أن نقبل الحياة كما هي ونسير قدمًا بفرح، بدون تذمّر وبدون أن نسمح لخطيئة الفتور أن تشلَّنا" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الثلاثاء في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان.
تمحورت عظة الأب الأقدس حول إنجيل القدّيس يوحنّا (5/ 1- 16) حول شفاء يسوع لرجل كسيح. كانَ هُناكَ رَجُلٌ عَليلٌ مُنذُ ثَمانٍ وثَلاثينَ سَنَة مُضجعًا في أورشليم عند بِركَة عِندَ بابِ الغَنَم، يُقالُ لها بالعِبرِيّةِ بَيتَ ذاتا، ولها خَمسَةُ أَروِقَة، يَضَّجعُ فيها جُمهورٌ مِنَ المَرضَى بَينَ عُميانٍ وعُرجٍ وكُسحان. ويُقال إنَّ ملاكًا كان ينزل ويحرّك مياه البِركة فكان الذين ينزلون في الماء يشفون. ولمّا رَآهُ يسوعُ مُضَّجِعًا، عَلِمَ أَنَّ له مُدَّةً طَويلَةً على هذِه الحال. فقالَ له: "أَتُريدُ أَن تُشفى؟".
ما أجمل أن نسمع يسوع يقول لنا على الدّوام: "أَتُريدُ أَن تُشفى؟"، "أتريد أن تكون سعيدًا؟" "أتريد أن تمتلئ بالرّوح القدس؟"... "أَتُريدُ أَن تُشفى؟" تلك هي كلمات يسوع... إنّ الجواب الذي قد يعطيه أي شخص من هؤلاء المرضى العميان والعرج والكسحان سيكون بالتأكيد "نعم يا ربّ!" أمّا هذا الرّجل فغريب جدًا لأنّ جوابه كان: "يا ربّ، ليسَ لي مَن يَغُطُّني في البِركَةِ عِندَما يَفورُ الماء. فبَينَما أَنا ذاهِبٌ إِلَيها، يَنزِلُ قَبلي آخَر". إنَّ جوابه هذا هو تذمُّر كمن يقول "إنّ حياتي ظالمة وفيما يمكن للجميع أن ينزلوا في البركة ويشفوا هاءنذا هنا منذ ثمانٍ وثلاثين سنة...
هذا الرّجل هو كالشَّجَرَةِ المَغروسةِ على مَجاري المِياه التي يخبرنا عنها سفر حزقيال (47/ 1-12) ولكنَّ جذورها قد جفّت لأنّها لا تصل إلى الماء وبالتالي لا يمكنها أن تتغذّى... من هنا يمكننا أن نفهم موقف التذمّر الذي يسعى على الدّوام ليحمِّل الذنب للآخرين: "يا ربّ، ليسَ لي مَن يَغُطُّني في البِركَةِ عِندَما يَفورُ الماء. فبَينَما أَنا ذاهِبٌ إِلَيها، يَنزِلُ قَبلي آخَر". هذه هي خطيئة الفتور وهي خطيئة سيّئة. إنّ علّة هذا الرّجل لم تكن الشّلل وإنّما هي الفتور، وهي أسوأ من الشّلل لأن القلب يكون فاترًا وهذا أسوأ بكثير. والفتور هو العيش بدون رغبة في المضيِّ قدمًا أو في القيام بأي شيء آخر في الحياة، إنّه فقدان ذكرى الفرح حتى... وهذا الرّجل كان قد فقد الفرح أيضًا. هذه هي الخطيئة، وهي مرض سيّئ جدًّا والأسوأ هو عندما نعتاد عليها، ويمكننا أن نرى الامتعاض والمرارة في ذلك القلب.
لكن يسوع لم يوبّخه بل قال له: "قُم فَاحمِل فِراشَكَ وامشِ". فشُفِيَ الرَّجُلُ لِوَقتِه، فحَمَلَ فِراشَه ومشى. وكَانَ ذلكَ اليَومُ يومَ السَّبت. فقالَ اليَهودُ لِلَّذي شُفِيَ: هذا يَومُ السَّبت، فلا يَحِلُّ لك أَن تَحمِلَ فِراشَكَ، وسألوه: "مَنِ الرَّجُلُ الَّذي قالَ لكَ: اِحمِل فِراشَكَ وامشِ؟". وكانَ الَّذي شُفِيَ لا يَعرِفُ مَن هو يسوع ولم يشكره حتى، قام فيما كان الحزن والفتور لا يزالان يسيطران عليه لأنّه كان قد نسي معنى الفرح، لأنّ الفتور هو خطيئة تشلُّ ولا تسمح لنا بالسّير والربّ ينظر اليوم إلى كلّ فردٍ منّا – وجميعنا خطأة – ويقول لنا: "قُم فَاحمِل فِراشَكَ وامشِ".
إنّ الرّب يقول اليوم لكلّ فردٍ منّا: "قم اقبل حياتك كما هي جميلة كانت أم سيّئة، إقبلها وسِرّ قدمًا، لا تخف إحمل فراشك وامشِ... ربما هو فراش سيّئ ولكن احمله وامشِ قدمًا لأنّ هذه هي حياتك وهذا هو فرحك!" إنّ السؤال الذي يطرحه يسوع علينا اليوم هو: "أَتُريدُ أَن تُشفى؟" وعلى جوابنا: "نعم يا ربّ" هو يقول لنا: "قُم فَاحمِل فِراشَكَ وامشِ". لقد صلّينا في صلاة الجماعة "أَيُّها العِطاشُ جَميعاً هَلُمُّوا إِلى المِياه... والَّذينَ لا فِضَّةَ لَهم هَلُمُّوا آشتَروا وكُلوا هَلُمُّوا آشتَروا بِغيرِ فِضَّةٍ ولا ثَمَن... هَلُمُّوا واشربوا بفرح" وبالتالي فإن أجبنا الرّبّ قائلين: "نعم يا ربّ أريد أن أشفى، ساعدني يا ربّ أريد أن أقوم" فسنعرف معنى فرح الخلاص الحقيقيّ!
إذاعة الفاتيكان.