بمناسبة الاحتفال بالذكرى المئويّة الأولى على تأسيس مجمع الكنائس الشرقيّة ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس القداس الإلهي في بازيليك القديسة مريم الكبرى في روما وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة استهلّها بالقول:
نشكر الرّبّ اليوم على مجمع الكنائس الشرقية والمعهد الحبري الشرقي اللذين أسّسهما البابا بندكتس الخامس عشر لمائة سنة خلت عام 1917 فيما كانت تحتدم الحرب العالميّة الأولى؛ واليوم نعيش حربًا عالميّة أخرى تتمُّ على أجزاء ونرى العديد من إخوتنا وأخواتنا من مسيحيي الكنائس الشرقيّة يختبرون اضطهادات مأساويّة، وهذا الأمر يولِّد العديد من الأسئلة التي تشبه تلك التي تقدّمها لنا القراءة الأولى اليوم من سفر ملاخي.
يتذمّر الرَّبّ على شعبه ويقول: "لقَدِ اشتَدَّتِ عَلَيَّ أَقوالُكُم، وَتَقولون: بِمَ تَكَلَّمنا عَلَيك؟ إِنَّكُم قُلتُم: عِبادَةُ اللهِ باطِلَة، وَما المَنفَعَةُ في حِفظِنا مَحفوظاتِهِ، في مَشيِنا بِالحِدادِ أَمامَ رَبِّ ٱلجُنود؟ وَالآن، فَإِنّا نُغَبِّطُ المُتَكَبِّرين. فَإِنَّ صانِعي النِّفاقِ قَدِ ابتَنَوا، جَرَّبوا ٱللهَ وَنَجَوا".
كم من مرّة نعيش هذه الخبرة نحن أيضًا وكم من مرّة نسمعها في أحاديث خاصَّة أو اعترافات الأشخاص الذين يفتحون لنا قلوبهم. نرى الأشرار الذين يحقـِّقون مصالحهم بلا هواجس ويسحقون الآخرين ويبدو أنّ أمورهم تسير على ما يرام ويحصلون على ما يريدونه فيما يفكّرون فقط بالتنعم بالحياة؛ فيأتي السّؤال: "لماذا يا ربّ؟"
هذه التساؤلات نجدها أيضًا في الكتاب المقدّس ونطرحها جميعنا على أنفسنا، ويأتي الجواب عليها من كلمة الله، ومن هذه الآية بالذات من سفر النبّي ملاخي: "أَصغى الرَّبُّ وَسَمِعَ، وَكُتِبَ كِتابُ تَذكِرَةٍ أَمامَهُ لِخائِفي الرَّبِّ المُتَفَكِّرينَ في اسمِهِ"؛ وبالتالي فإنّ الله لا ينسى أبناءه ويتذكّر الأبرار والمتألّمين والمضطهدين الذين يتساءلون "لماذا؟" ومع ذلك لا يتوقّفون أبدًا عن الثقة بالرّبّ. كم من مرّة خلال مسيرتها طرحت العذراء مريم السؤال عينه: "لماذا؟" ولكنّها كانت تتأمّل كلّ شيء في قلبها وكانت نعمة الله تجعل الإيمان والرّجاء يتألّقان.
هناك طريقة لنترك ثغرة في ذكرى الله وهي صلاتنا كما يعلّمنا الإنجيل الذي سمعناه، عندما نصلّي نحن بحاجة لشجاعة الإيمان وللثقة بالرَّبّ الذي يسمعنا؛ للشجاعة لنقرع على الباب لأنّه وكما يقول الرَّبّ: "كُلَّ مَن يَسأَلُ يَنال، وَمَن يَطلُبُ يَجِد، وَمَن يَقرَعُ يُفتَحُ لَهُ".
ولكن هل صلاتنا هي هكذا بالفعل؟ هل تطال قلبنا وحياتنا؟ هل نعرف كيف نقرع على قلب الله؟
في نهاية إنجيل (لوقا 11/ 5 -13) يقول يسوع: "أَيُّ أَبٍ مِنكُم إِذا سَأَلَهُ ابنُهُ سَمَكَةً أَعطاهُ بَدَلَ السَّمَكَةِ حَيَّة؟ أَو سَأَلَهُ بَيضَةً أَعطاهُ عَقرَبًا؟ فَإِذا كُنتُم أَنتُمُ الأَشرارَ تَعرِفونَ أَن تُعطوا العَطايا الصّالِحَةَ أَبناءَكُم، فَما أَولى أَباكُمُ السَّماوِيّ... وهنا نتوقّع أن يقول: بأن يهبكم أمورًا صالحة ولكنّه يقول بِأَن يَهَبَ الرّوحَ ٱلقُدُسَ لِلَّذينَ يَسأَلونَهُ. هذه هي العطيّة. إنّ الإضافي الذي يعطينا الرَّبّ الآب إيّاه هو الرّوح القدس: عطيّة الآب الحقيقيّة.
يقرع الإنسان بالصّلاة باب الله سائلاً نعمة ما، والله، الذي هو أب، يعطيني تلك النعمة ومعها عطيّة الرّوح القدس.
لنتعلّم إذًا أن نقرع على قلب الله! لنتعلّم كيف نقوم بذلك بشجاعة ولتُلهم هذه الصّلاة الشُّجاعة خدمتكم في الكنيسة وتُغذّيها؛ فيُؤتي التزامكم هكذا ثَمَرَهُ في أَوانِهِ وتكونون كالشجر الذي لا يَذبُلُ وَرَقُهُ (مز 1، 3).
إذاعة الفاتيكان.