عُقدت صباح اليوم الإثنين الجلسة العامّة الأولى لأعمال الجمعيّة العامّة العاديّة الرّابعة عشرة لسينودس الأساقفة حول العائلة تحت عنوان "دعوة العائلة ورسالتها في الكنيسة والعالم المُعاصر".
وقد افتُتحَت بمُداخلة المقرّر العامّ الكاردينال بيتر إردو والتي تمحورت حول ثلاث نقاط – تحديات العائلة دعوتها ورسالتها – وقد تحدّث في مداخلته عن مرافقة رحيمة لمَن يعيش ظروفًا عائليّة صعبة مع التّأكيد على عدم انحلال الزواج. هذا وقد تمحورت مُداخلته أيضًا حول الدّعوة لمساعدة العائلات الفقيرة ضحايا الحرب والإضطهادات.
أكّد الكاردينال بيتر إردو أنّ التحديات كثيرة وقد ذكر من بينها الهجرة والظّلم الإجتماعيّ، تنقُّل الموظفين، انخفاض عدد الولادات، العنف ضدّ النّساء. وتتابع المُداخلة أنّ المؤسّسات ضعيفة، والناس يخافون من الإلتزامات النهائيّة، أضف إلى ذلك الفردانيّة المُتنامية التي تحمل إلى خلط بين المؤسّسات الأساسيّة كالزواج والعائلة بينما يفصل مجتمع الإستهلاك الجنس عن الإنجاب محوّلاً الحياة البشريّة والأبوّة إلى وقائع يمكن فكّها وتركيبها.
لكن وبالرّغم من هذا كلّه ركّز الكاردينال إردو في مداخلته على بعض نقاط النّور في هذا المجتمع المُظلم وقال إنّ الزّواج والعائلة لا يمنعان فقط الأفراد من العيش منعزلين بل ينقلان أيضًا القيم مقدّمين للشّخص البشريّ إمكانيّة نموّ لا يُمكن الإستغناء عنها. فمن عدم انحلال الزواج تولد دعوة العائلة، من عدم الإنحلال هذا بالذات الذي هو عطيّة. فالزواج والعائلة يُعبّران بشكلٍ خاصّ أنّ الشّخص البشريّ قد خُلق على صورة الله ومثاله وأنّ الإختلاف بين الرّجل والمرأة هو من أجل الشّركة والإنجاب.
لذلك يؤكّد الكاردينال إردو على أهميّة تعزيز كرامة الزّواج والعائلة كجماعة حبّ ٍ وحياة؛ وعلى أنّ العائلة، مبدأ الحياة في المجتمع والكنيسة البيتيّة التي تقوم على زواج أسراريّ بين شخصين مسيحيّين، هي المكان الذي يتعلّم فيها المرء خبرة الخير العامّ. وبالتّالي ما هي رسالة العائلة اليوم؟
يتابع الكاردينال إردو مداخلته مؤكّدًا على أهميّة التّنشئة للزّوجين – لكي لا يكون الزّواج مجرّد شيئًا خارجيًّا أو أمرًا عاطفيًّا، وإنّما روحيًّا وكنسيًّا أيضًا – وعلى أهميّة التّنشئة للإكليروس لكي يرافقوا العائلات في نضوج عاطفيّ ونفسيّ. بدون أن ننسى ضرورة توبة في الكلام لاسيّما عندما يتعلّق الأمر بمساعدة من يعيش ظروفًا صعبة ينبغي أن تُربط فيها الرّحمة والعدالة. فإن تحدّثنا من عمق قلبنا... وإن قلنا بصدقٍ للآخرين ما نؤمن به فلا يجب علينا أن نخاف من ألّا نُفهم.
تابع الكاردينال إردو مؤكّدًا أنّ هناك مهمّة أخرى للعائلة وهي التّعاون مع المؤسّسات العامّة لاسيّما حيث لا يتطابق التّعريف الرسميّ للعائلة مع التّعريف المسيحيّ أو مع معناه الطبيعيّ لإعادة التّأكيد على المتطلّبات الحقيقيّة للعائلة في المجتمع وبالتالي يؤكّد الكاردينال إردو أنّه ينبغي على المسيحيّين أن يسعوا لخلق هيكليّات دعم اقتصاديّة لمساعدة العائلات التي تُعاني من الفقر والبطالة، نقص المساعدات الصحيّة والاجتماعيّة وهي ضحايا الإستغلال.
كما وينبغي على الجماعة الكنسيّة بأسرها أن تسعى لمُساعدة العائلات ضحايا الحرب والإضطهادات. ومن ثمّ هناك رسالة الكنيسة المتطلّبة تُجاه الإدماج الكنسيّ للعائلات المجروحة. وبالتّالي - يتابع الكاردينال إردو - ينبغي أن نتحلّى بمواقف الرّحمة والقبول المقرونة بتقديم واضح للحقيقة حول الزواج. إنّ الرّحمة الأكبر تكمن في قول الحقيقة بمحبّة. ينبغي علينا أن نذهب أبعد من الشفقة، لأنّ الحبّ الرّحوم يجذب ويوحّد، يحوّل ويرفع، ويدعو إلى التّوبة.
بعدها توقّف الكاردينال بيتر إردو في مداخلته عند حالات المُساكنة مقدِّمًا تربية سليمة تقود قلوب الأشخاص نحو ملء مُخطّط الله، وتشجّع على خلق مراكز إصغاء أبرشيّة لمساعدة المُطلّقين الذين لم يتزوجوا مُجدّدًا ودعم الأبناء ضحايا هذه الظروف بدون ترك مسيرة التّوبة والمُصالحة إذا أمكن. أمّا بالنسبة للمطلقين الذين تزوجوا مُجدّدًا فيطلب منهم تأمّلاً عميقـًا مع التنبّه لمبدإٍ مهمّ: ضرورة المُرافقة الراعويّة الرّحيمة مع التّأكيد على عدم انحلال الزّواج الذي علّمه يسوع المسيح. فرحمة الله تقدّم المغفرة للخاطئ ولكنّها تتطلب منه التوبة.
وفي ختام مداخلته تحدّث الكاردينال إردو حول موضوع الحياة وأعاد التأكيد على قدسيّة الحياة من الحبل بها وحتى موتها الطبيعيّ. وبالتّالي لا للإجهاض ولا للموت الرّحيم ونعم للإنفتاح على الحياة كضرورة أساسيّة للحبّ الزّوجيّ. وذكّر الكاردينال إردو في هذا الإطار بدور الكنيسة في مساعدة ودعم النّساء الحوامل والأطفال المتروكين والنّساء اللواتي أجهضن والعائلات التي لا تتمكّن من تقديم العناية الصحيّة لمرضاها.
فالكنيسة تجعل حضورها ملموسًا وتقدّم الدّعم الإنسانيّ والرّوحيّ في إطار عمل الخدمة والمساعدة وهذه قيم لا تُقدّر بالمال. هذا وشجّع الكاردينال إردو على تعزيز ثقافة الحياة إزاء ثقافة الموت المنتشرة أكثر فأكثر، وقدّم في مداخلته تعليمًا مُناسبًا حول الطرق الطبيعيّة للإنجاب المسؤول من خلال إعادة اكتشاف الرّسالة العامّة "الحياة البشريّة" للبابا بولس السّادس.
كما وشجّع العائلات أيضًا على تبنّي الأطفال كشكل خاصّ من رسالة العائلة. وأخيرًا وفي إطار التّربية ذكّرت المداخلة بأن الوالدين هم المسؤولون الأوائل عن تربية أبنائهم الإنسانيّة والدينيّة وينبغي على الكنيسة أن تشجّعهم وتعضدهم من خلال مشاركة ساهرة ومسؤولة في المناهج المدرسيّة والتربويّة للأبناء. وختم الكاردينال إردو مداخلته حاثًّا الكنيسة على التوبة لتصبح أكثر حيويّة وجماعيّة شاهدة لرحمة الله العُظمى.
وبعد مداخلة الكاردينال إردو، ألقى أمين عام سينودس الأساقفة الكاردينال لورينزو بالديسيري مداخلة استهلّها مذكّرًا بالمسيرة التحضيريّة لهذه الجمعيّة العامّة العاديّة الرّابعة عشرة لسينودس الأساقفة وشدّد على أنّ العائلة هي موضوع مهمّ وشامل لا يطال الكاثوليك فقط وإنّما المسيحيّين جميعًا والبشريّة بأسرها. ودعا الجمعيّة لتعمل على الدوام في الوحدة ومن أجل الوحدة. بعدها حيّى الكاردينال لورينزو بالديسيري الأزواج الحاضرين في السينودس كخبراء ومستمعين مُشيرًا إلى أهميّة الحضور النسائيّ الذي يُنتظر منه مساهمة خاصّة لكي يتمكّن السينودس من النظر إلى العائلة بحنان النّساء وتنبُّههنَّ.
إذاعة الفاتيكان.