بدأت عند الساعة التاسعة من صباح الثلاثاء في قاعة السينودس بالفاتيكان وبحضور قداسة البابا فرنسيس، الجلسة الثالثة للجمعيّة العامّة العاديّة لسينودس الأساقفة حول العائلة، وخلال رفع الصّلاة ألقى الكاردينال جورج ألينشيري رئيس أساقفة إرناكولام – أنغَمالي للسّريان المالابار في الهند عظة استهلّها بآية من سفر إرميا (22 / 3): "هكذا يقول الرّبّ: أجروا الحكم والبِرّ وأنقذوا المسلوب من يد الظّالم، ولا تتحاملوا على النزيل واليتيم والأرملة ولا تُعنّفوهم"، وقال تعطينا هذه الآية رسالة يمكن تطبيقها على هدف السينودس من أجل العائلة. فالنبيّ إرميا قد تنبّأ للعائلة الملكيّة في يهوذا منبِّهًا الملك من الدّمار الذي قد يحلّ على مملكته إن لم يجرِ الحكم والبرّ وينقذ المسلوب من يد الظالم.
بسبب سقوط الملوك اقتيد الشّعب إلى المنفى وعاش المُعاناة التي نتجت عنه. لم يتمكّن يوشيا ونبوكد نصّر، ملوك يهوذا، من إجراء الحكم والبرّ وإنقاذ المسلوب من يد الظالم. فالحكم يعني قبول ملكوت الله والبِرّ هو النّعمة الناتجة عن قبول ملكوت الله، وبالتّالي فقد فشل ملوك يهوذا في مسؤوليّتهم وهذا الأمر جعل الشّعب يُعاني نتائج فشلهم.
إنّ كلمة النبيّ تنطبق أيضًا على حكّام وقادة كلّ زمان وعلى الشّعب الذي يحكموه أيضًا، إذ إنّه وفي العديد من بلدان العالم يُحرم الأشخاص من العدالة والبِرّ بسبب تعزيز الفردانيّة وظُلم القيم والتصرّفات العلمانيّة. وهنا يأتي السّؤال هل يلعب المسؤولون الكنسيّون دورًا نبويًّا كإرميا ليعضدوا الشّعب من خلال كلمة الله وشهادتهم الشخصيّة؟
أضاف رئيس أساقفة إرناكولام – أنغَمالي للسّريان المالابار يقول لقد تألّم إرميا بسبب الرّسالة النبويّة التي حملها وقد شكّلت حياته بأكملها علامة لهذه الرّسالة. وقد طُلب منه علامات ثلاث في حياته: ألا يتّخذ امرأة، وألا يدخل بيت الحُزن وألا يدخل بيت المأدبة. "لا تتخّذ لك امرأة" (إرميا 16، 2): لم يختبر إرميا حبّ العروس، لأنّ إسرائيل العروس قد رفضت حبّ الله لها وبالتالي اختبر الوحدة على مثال الله، وهكذا تصبح العزوبة علامة. "لا تدخل بيت الحزن" (إرميا 16، 5): لا ينبغي على إرميا أن يحزن أو أن يكون لديه شفقة على الموتى لأنّ الله قد فقد شعوره تُجاه شعبه وقال إنّهم سيموتون ولا يُندبون. "لا تدخل بيت المأدبة" (إرميا 16، 8): لا ينبغي على إرميا أن يشارك في أي احتفال إذ إنّه ما من دافع للإحتفال لأنّه مدعوّ ليقود حياة صعبة ولذلك دخل في يأس كبير (إرميا 20، 7).
ليس من السّهل أن يكون المرء نبيًّا، لكن رُعاة الكنيسة مدعوّين في الوقت الحاضر ليلعبوا دورهم النبويّ ويتشبّهوا بالنبيّ إرميا، وبالتالي وفي هذا الإطار تأخذ كلمات البابا فرنسيس في رسالته العامّة "فرح الإنجيل" معنًى هامًّا جدًّا: "أُفضِّل كنيسة مصابة ومجرّحة وملوّثة لأنّها سلكت الطرقات، على كنيسة سقيمة بسبب الإنغلاق ورفاهة التمسُّك بأمانها الخاص. لا أريد كنيسة منشغلة بأن تكون المحورَ فيؤول بها الأمرُ إلى الإنغلاق في تشابك تحديدات وإجراءات. إذا كان هناك شيءٌ مُقدّس يجب أن يشغلنا ويقلق ضميرنا هو أنّ العديد من إخوتنا يعيشون محرومين من قوّة صداقة يسوع المسيح ونوره وتعزيته، محرومين من جماعة مؤمنة تتقبّلهم، من أفق معنى وحياة. أرجو أن يستحثنا، أكثر من الخوف أن نخطأ، الخوف أن ننغلق على ذواتنا في هيكليات حماية وهميّة خاطئة، في أنظمة تحوّلنا إلى قضاة عديميّ الرّحمة، في عوائد نشعر من خلالها بالطمأنينة، بينما يعجُّ الخارج بجموع جائعة، ويسوع يُردِّد لنا بدون انقطاع: "أعطوهم أنتم ليأكلوا" (مرقس 6، 37).
إذاعة الفاتيكان.