بعد اللّقاء مع الكهنة والرّهبان والرّاهبات والإكليريكيِّين في إكليريكيّة بولونيا توجّه الأب الأقدس إلى ساحة القدّيس دومينيكو أمام جامعة بولونيا العريقة حيث التقى بالطلاب وبالعالم الجامعي وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة استهلّها انطلاقـًا من كلمة "universitas" وقال:
إنّ هذه الكلمة تحتوي على فكرة كلِّ شيء وعلى فكرة الجماعة، وتساعدنا على تذكّر البدايات ومجموعات التلاميذ الأولى التي بدأت بالتجمّع حول المعلّمين يدفعهم مثالين الأوّل "عامودي" إذ لا يمكننا أن نعيش بدون أن نرفع الرّوح إلى المعرفة والثاني أفقيّ لأنّ البحث يتمُّ معًا من خلال مقاسمة المصالح المشتركة الصّالحة، وهذا هو الطابع العالميّ الذي لا يخاف أبدًا من الإدماج.
لقد بدأ كلُّ شيء هنا حول دراسة الحقوق كشهادة بأنّ الجامعة في أوروبا تجد جذورها الأعمق في الأنسنة التي ساهمت فيها أيضًا المؤسَّسات المدنيّة والكنيسة كلّ بحسب دوره. في الواقع، إنَّ البحث عن الخير، هو مفتاح النجاح في الدراسة؛ فيما تشكّل المحبّة المكوِّن الذي يعطي الطعم لكنوز المعرفة ولاسيّما لحقوق الإنسان والشّعوب. وبالتالي أريد بهذا الرّوح أن أقدّم لكم ثلاثة حقوق تبدو لي آنية.
الحقّ بالثقافة. ولا أعني بهذا الحقّ المقدّس للجميع بالحصول على التّعليم وحسب، وإنّما أيضًا واقع أنَّ الحقّ بالثقافة يعني، اليوم بشكلٍ خاصّ، حماية المعرفة الإنسانيّة والمؤنسِنة. إنَّ العلم ضروريّ لنطرح الأسئلة على أنفسنا ولكي لا نسمح للسخافة والابتذال أن يخدِّراننا ولكي نبحث عن معنى للحياة.
هذه هي مسؤوليّتكم الكبيرة أن تجيبوا على شعارات الاستهلاك الثقافيّة التي تشلّ بخيارات ديناميكيّة وقويّة من خلال البحث والمعرفة والمقاسمة. وعندما تنظّمون هذا الجمال يمكنكم أن تحافظوا على الثقافة الحقيقيّة. لأنَّ المعرفة التي تُغذّي الانقسامات وتبرّر الاستغلال ليست بثقافة. الثقافة هي ما ينمّي الإنسان. وإزاء التذمُّر والصخب اللذان يحيطان بنا نحن بحاجة لمن يعزّز ثقافة جيّدة؛ وبالتالي نحن بحاجة لكلمات تبلغ الأذهان وتُعدُّ القلوب.
الحق بالرجاء. كثيرون يختبرون اليوم الوحدة والقلق ويشعرون بثقل الترك؛ ولذلك ينبغي إعطاء فسحات للحقّ بالرَّجاء: إنّه الحقّ بألا ينتهكنا الخوف والحقد يوميًّا، والحقّ بألا نغرق في الشّعارات الشعبويّة سيل الأخبار المزيَّفة. ما أجمل أن تكون صفوف الجامعات ساحات رجاء ومكاتب يُعمل فيها من أجل مستقبل أفضل وحيث نتعلّم أن نكون مسؤولين عن أنفسنا وعن العالم!
الحقّ بالسَّلام. هذا هو حقٌّ أيضًا وواجب محفور في قلب البشريّة لأنَّ الوحدة تسمو على النزاع. هنا عند جذور الجامعة الأوروبيّة يطيب لي أن أُذكِّر أنّنا نحتفل هذه السنة بالذكرى الستين لتوقيع المعاهدات المؤسِّسة لأوروبا المتّحدة؛ وبالتالي بعد حربين عالميّتين وعنف وحشي بين الشّعوب ولدت الوحدة لحماية الحقّ بالسَّلام. ولكن يبدو اليوم أن العديد من المصالح والنزاعات تحجب رؤى السَّلام هذه.
لذلك علينا أن نطالب بالحقّ بالسَّلام كحقٍّ للجميع ونكرّر: لا للحرب بعد الآن، لن نكون ضدّ الآخرين بعد اليوم ولن نكون أبدًا بدونهم! إنّ الجامعة قد تأسَّست هنا من أجل دراسة الحقوق ومن أجل البحث عمّا يدافع عن الأشخاص وينظّم الحياة المشتركة ويحمي من منطق الأقوى والعنف. إنّه تحدٍّ آني أن نؤكّد حقوق الأشخاص والشّعوب والأشدَّ ضعفًا والمهمّشين والمقصيِّين والخليقة والبيت المشترك.
لا تصدّقوا من يقول لكم أن لا فائدة من الكفاح من أجل هذا الأمر وأنَّ لا شيء سيتغيّر! لا ترضوا بالأحلام الصّغيرة بل احلموا أحلامًا كبيرة. أنا أيضًا أحلم وليس فقط عندما أنام لأنّ الأحلام الحقيقيّة نحلمها بأعين مفتوحة ونحقـِّقها في وضح النهار.
أجدِّد معكم الحلم بأنسنة أوروبيّة جديدة تقوم على الذكرى والشّجاعة والمُثل السليمة والبشريّة؛ بأوروبا أمّ تحترم الحياة وتقدّم الرجاء بالحياة، بأوروبا حيث يمكن للشباب أن يتنفسّوا هواء الصّدق ويحبّوا جمال الثقافة والحياة البسيطة. أحلم بأوروبا جامعة وأم متنبّهة لثقافتها وتعرف كيف تبعث الرّجاء في الأبناء وتكون أداة سلام للعالم!
إذاعة الفاتيكان.