استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الإثنين في القصر الرسوليّ بالفاتيكان المشاركين في الجمعيّة العامة للأكاديميّة الحبريّة للعلوم، وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال إنّ رسالة العلم في خدمة توازن إيكولوجيٍّ شامل لم تظهر بهذا الوضوح التي تظهر من خلاله في عصرنا هذا.
وفي الوقت عينه يظهر عهد متجدِّد بين الجماعة العلميّة والجماعة المسيحيّة فيما تتقارب أساليبهما المختلفة لرؤية الواقع نحو هذا الهدف المشترك في حماية البيت المشترك الذي يُهدّده الانهيار الإيكولوجي وما ينتج عنه من تزايد الفقر والتهميش الاجتماعيّ.
يسعدني أنّكم تشعرون بعمق بالتضامن الذي يربطكم ببشريّة اليوم والغد كعلامة لعناية كبيرة بأمّنا الأرض. التزام يستحق التقدير إذ أنّه يتوجّه بالكامل نحو تعزيز النموّ البشريّ المتكامل والسّلام والعدالة وكرامة الشّخص البشريّ وحريّته.
في الرّسالة العامّة "كُن مُسبَّحًا" أكّدت أنّنا "مدعوّون لأن نُصبح أدوات الله الآب، لكي يصبح كوكبنا مثلما حلم به الله عندما خلقه، ويجيب على مشروعه للسّلام والجمال والملء" (عدد 53). لقد كبرنا في عالمنا المعاصر ونحن نعتقد أنّنا مالكي الطبيعة وأسيادها وبأنّه يجوز لنا أن ننهبها بدون احترام إمكانياتها الخفيّة وقوانين النموّ كما ولو كانت جمادًا وتحت تصرّفنا مُسببين هكذا خسارة كبيرة في التنوّع البيولوجيّ. في الواقع نحن لسنا حراسًا في متحف وإنما معاونين في حماية وتطوير حياة الأرض وتنوّعها البيولوجي والحياة البشريّة فيها.
سأقول باختصار أوّلاً إنّه من واجب العلماء الذين يعملون خارجًا عن أي مصلحة سياسيّة واقتصاديّة وإيديولوجيّة أن يبنوا نموذجًا ثقافيًّا لمواجهة أزمة التغييرات المناخيّة وتبعاتها الاجتماعيّة لكي لا تبقى إمكانيّات الإنتاج الشاسعة محفوظة لقليلين فقط. وكما عرفت الجماعة العلميّة، من خلال الحوار بين حقول الدراسات المختلفة في داخلها، أن تدرس أزمة كوكبنا وتظهرها؛ هكذا أيضًا هي مدعوّة لتقديم أولويّة وسيادة توفّر حلولاً عامّة وخاصّة للمواضيع التي تعالجونها في جمعيتكم العامّة: المياه والطاقة المتجدّدة والأمن الغذائيّ.
في هذا الإطار العامّ، أشير إلى ردّة الفعل الضعيفة للسياسة الدوليّة فيما يتعلّق بالرّغبة الملموسة في البحث عن الخير العامّ والخيور الشاملة، والسهولة التي من خلالها يتمُّ تجاهل نصائح العلم الرّاسخة حول وضع الكوكب.
إنّ إخضاع السياسة للتكنولوجيا والاقتصاد اللذين يسعيان للرّبح يظهر من خلال التردّد والتأخير في تطبيق الاتفاقات العالميّة حول البيئة ومن حروب السيطرة المستمرّة التي تختبئ تحت أقنعة المطالبة الشريفة التي تسبب أكثر فأكثر أذى خطيرًا للبيئة ولغنى الشّعوب الأخلاقيّ والثقافي.
لكن وبالرّغم من هذا كلّه لا نفقدنَّ الرّجاء وإنّما لنسعى للإستفادة من الوقت الذي يعطينا الرّب إيّاه. هناك أيضًا علامات مشجِّعة عديدة لبشريّة تريد أن تتفاعل وتختار الخير العام وتتجدّد بمسؤوليّة وتضامن. وإذ يترافق مشروع النموّ المستدام والمتكامل بالقيم الأخلاقية يُصبح بإمكانه أن يعطي لجميع العلماء، ولاسيّما للمؤمنين منهم، حافزًا قويًّا للاستكشاف والدراسة.
أتمنى لكم عملاً جيّدًا، وأستمطر على نشاطات الأكاديميّة وعلى كلِّ فردٍ منكم وعلى عائلاتكم فيض البركات السماويّة، وأسألكم ألّا تنسوا أن تصلّوا من أجلي.
إذاعة الفاتيكان.