استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر يوم الخميس في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في الأسبوع الليتورجي الوطني الثامن والستين وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وأكّد أنَّ هذه الفترة من الزمن تشكّل مرحلة مهمّة في تاريخ الكنيسة وتاريخ الليتورجيا ولاسيما أنها تميّزت بانعقاد المجمع الفاتيكاني الثاني والإصلاح الليتورجي الذي نتج عنه وبشكل خاص بالإسهام الذي قدّمه البابا بيوس العاشر والبابا بيوس الثاني عشر.
أرغب بالتوقّف عند بعض النقاط في ضوء الموضوع الذي تأملتم حوله خلال هذه الأيام "ليتورجيّة حيّة من أجل كنيسة حيّة". إن الليتورجية حيّة بسبب حضور الذي "بموته دمّر الموت ومنحنا الحياة بقيامته"، لأنّه بدون الحضور الحقيقي لسرّ المسيح تفقد الليتورجيّة حيويّتها.
وتمامًا كما لا وجود للحياة البشريّة بدون نبض القلب هكذا أيضًا بدون قلب المسيح النابض لا وجود للعمل الليتورجي. إن ما يُحدِّد الليتورجية في الواقع هو تحقيق كهنوت يسوع المسيح من خلال العلامات المقدّسة، أي تقدمة حياته حتى موته على الصليب، كهنوت يحضر على الدوام من خلال الرتب والصلوات ويبلغ ذروته في جسده ودمه وإنما في شخص الكاهن أيضًا وإعلان كلمة الله وفي الجماعة التي تصلّي مجتمعة باسمه.
الليتورجية هي حياة لشعب الكنيسة بأسره وهي بطبيعتها شعبيّة بكونها عملُ الشعب وعملٌ من أجل الشعب. وكما تذكّرنا العديد من الصلوات الليتورجيّة هي العمل الذي يقوم به الله في سبيل شعبه، ولكنّها أيضًا عمل الشعب الذي يصغي إلى الله الذي يكلّمه ويستجيب رافعًا المجد والتسبيح إذ يقبل ينبوع الحياة والرحمة الذي لا ينضب والذي يفيض من العلامات المقدّسة. وعلى صورة "الجمع الكثير" الذي يحتفل بالليتورجيا في مزار السماء (راجع رؤيا 7، 9)، تتخطى الجماعة الليتورجية، بالمسيح، حدود العمر والعرق واللغة والوطن. وطابعها الشعبي يذكّرنا أنّها إدماجيّة وصانعة شركة مع الجميع وبأنّها تدعو كل فرد بحسب دعوته وفرادته ليساهم في بناء جسد المسيح.
الليتورجية هي حياة وليست فكرة علينا فهمها، وهي تدفعنا لنعيش خبرة تحوّل في أسلوبنا في التفكير والتصرّف. فالعبادة الليتورجية ليست عقيدة ينبغي فهمها أو رتبة نقوم بها، صحيح أنها بطبيعتها هكذا أيضًا ولكن بأسلوب آخر ومختلف إنها مصدر حياة ونور لمسيرتنا في الإيمان. كما أنها تختلف عن التأملات الروحيّة لأنها تدخلنا في سرّ الله وتجعلنا نسمح للسرِّ بأن يحملنا لنصبح في داخله. وبالتالي هناك اختلاف كبير بين القول إنَّ الله موجود والشعور بمحبّة الله لنا هنا والآن، لأننا في الصلاة الليتورجية نختبر الشركة التي تظهر في عمل الله وعملنا وعمل المسيح والكنيسة.
تصبح الكنيسة حيّة فعلاً إن كانت حاملة حياة ووالدية ومرسلة تخرج للقاء القريب وتهتم بالخدمة دون أن تسعى إلى مصالح دنيوية تجعلها عقيمة، لذلك وإذ تحتفل بالأسرار المقدّسة تذكر مريم العذراء وتتأمّل فيها "كما في صورة بالغة الصفاء، ما تشتهي وترجو أن تكون عليه هي ذاتها وبأكملها". وختامًا لا يمكننا أن ننسى أنّ غنى الكنيسة الجامعة المصليّة يذهب أبعد من الطقس اللاتيني الذي هو أكثر انتشارًا. إن تناغم التقاليد الطقسيّة في الشرق والغرب بفضل الروح عينه يعطي صوتًا للكنيسة الواحدة التي ترفع الصلاة للمسيح ومع المسيح وفي المسيح لمجد الآب من أجل خلاص العالم.
أشكركم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء على زيارتكم وأشجّع مسؤولي مركز الحركة الليتورجية على الثبات في الإيمان بالوحي الأول أي خدمة صلاة شعب الله المقدّس. وأطلب منكم اليوم أيضًا هذا الالتزام: مساعدة الكهنة والخدام الآخرين والمرتلين والفنانين والموسيقيين على التعاون لكي تكون الليتورجية "القمّة التي يرتقي إليها عمل الكنيسة والمنبع الذي تنبع منه كلّ قوّتها"؛ وأسألكم أن تصلوا من أجلي.
إذاعة الفاتيكان.