في إطار زيارته الرسوليّة إلى السويد توجّه قداسة البابا فرنسيس عصر اليوم الإثنين إلى القصر الملكي في لوند حيث قام بزيارة مجاملة للملك كارل السادس عشر غوستاف والملكة سيلفيا وأبنائهما، وبعد اللقاء مع العائلة الملكيّة انطلق الأب الأقدس إلى كاتدرائيّة لوند ليشارك في لقاء صلاة مسكوني، وحيث كان باستقباله رئيسة أساقفة كنيسة السويد آنتي جاكيلين ورئيس الاتحاد اللوثري العالمي الأسقف منيب يونان وأسقف ستوكهولم للكاثوليك المطران أندرس أربوريليوس. تخلل لقاء الصلاة ترانيم وقراءات من الكتاب المقدّس وبعد أن ألقى الأسقف منيب يونان كلمته للمناسبة، ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها:
"اُثبُتوا فيَّ وأَنا أَثبُتُ فيكم" (يوحنا 15، 4) إن كلمات يسوع هذه التي قالها في إطار العشاء الأخير تسمح لنا بالاقتراب من قلب المسيح قبل أن يبذل نفسه على الصليب. يمكننا أن نسمع نبضاته، نبضات المحبة لنا ورغبته بالوحدة لجميع الذين يؤمنون به.
في لقاء الصلاة هذا، هنا في لوند، نريد أن نُظهر رغبتنا المُشتركة في البقاء متحدين به لننال الحياة. لنطلب منه: "ساعدنا يا رب بنعمتك لتكون أكثر اتحادًا بك لنُعطي شهادة فعالة في الإيمان والرجاء والمحبّة". لقد بدأنا كاثوليك ولوثريون بالسير معًا على درب المصالحة، والآن، وفي إطار إحياء الذكرى المئوية الخامسة لإصلاح عام 1517، لدينا فرصة جديدة لنقبل مسيرة مُشتركة تمّت خلال السنوات الخمسين الأخيرة في الحوار المسكوني بين الاتحاد اللوثري العالمي والكنيسة الكاثوليكيّة. لدينا الإمكانية للتعويض عن مرحلة أساسيّة من تاريخنا مُتخطّين سوء التفاهم والخصامات التي غالبًا ما منعتنا من فهم بعضنا البعض.
يقول لنا يسوع إن الآب هو الكرام الذي يعتني بالكرمة وينقّيها لتأتي بثمر أكثر. إن الآب يعتني باستمرار بعلاقتنا مع يسوع، ليرى إن كنا حقًا متّحدين به. ينظر إلينا، ونظرته نظرة المحبّة تُشجِّعنا على تنقية ماضينا والعمل في الحاضر لتحقيق مستقبل الوحدة التي يتوق إليها. وبالتالي ينبغي علينا نحن أيضًا أن ننظر بمحبّة وصدق إلى ماضينا ونعترف بالخطأ ونطلب المغفرة.
يقول البابا يوحنا بولس الثاني: "لا ينبغي أن تقودنا نيّة اعتبار أنفسنا قضاة للتاريخ، بل نيّة فهم أفضل للأحداث فنصبح معلنين للحقيقة". الله هو الكرّام، وبمحبّة كبيرة يغذيها ويحميها، لنسمح لنظرة الله بأن تجعلنا نتأثّر؛ إن الأمر الوحيد الذي يرغب به هو أن نبقى متّحدين كأغصان حيّة بابنه يسوع. بهذه النظرة الجديدة إلى الماضي، نحن لا ندّعي القيام بتصحيح مستحيل لما حصل وإنما أن نخبر هذا التاريخ بأسلوب مختلف. فيسوع يذكّرنا على الدوام: "بِمَعزِلٍ عَنِّي لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا شيئاً" (يوحنا 15، 5). فهو الذي يعضدنا ويشجّعنا على البحث عن أساليب لنجعل الوحدة واقعًا أكثر وضوحًا على الدوام.
إن الانفصال بلا شك قد شكّل مصدر ألم كبير ولكنّه حملنا في الوقت عينه لنتيقّن بصدق أن بدونه لا يمكننا أن نعمل شيئًا، ويعطينا الإمكانيّة لنفهم بشكل أفضل بعض جوانب إيماننا. بامتنان نعترف أن الإصلاح ساهم في إعطاء محوريّة أكبر للكتاب المقدّس في حياة الكنيسة. لنطلب إذًا من الرب أن تُبقينا كلمته متّحدين، لأنها مصدر غذاء وحياة، وبدون إلهامها لا يمكننا أن نعمل شيئًا.
إن الخبرة الروحيّة لمارتن لوثر تُسائلنا وتذكّرنا بأنه لا يمكننا أن نعمل شيئًا بدون الله. "كيف يمكنني أن أحصل على إله رحوم؟" لقد كان هذا السؤال يُقلق لوثر. في الواقع، إن السؤال عن العلاقة الصحيحة مع الله هو السؤال القاطع للحياة. وكما نعلم، اكتشف لوثر هذا الإله الرحوم في البشرى السارة ليسوع المسيح المتجسّد، المائت والقائم.
من خلال مبدأ "بواسطة النعمة الإلهيّة فقط" يتمُّ تذكيرنا بأن المبادرة هي دائمًا لله الذي يسبق أي جواب بشريّ، وفي الوقت عينه يريد أن يولّد فينا هذا الجواب. إن عقيدة التبرير تُعبّر إذًا عن جوهر الحياة البشريّة أمام الله. إنَّ يسوع يشفع بنا كوسيط لدى الآب ويرفع الصلاة له من أجل وحدة تلاميذه "لكي يؤمن العالم" (يوحنا 17، 21). هذا الأمر يعزينا ويدفعنا لنتّحد بيسوع لنطلب منه بإلحاح: "أعطنا عطيّة الوحدة لكي يؤمن العالم بقوّة رحمتك". هذه هي الشهادة التي ينتظرها العالم منا. لأننا كمسيحيين سنصبح شهادة صادقة للرحمة بقدر ما يصبح التجدُّد والمغفرة والمصالحة خبرة يوميّة بيننا.
نصلّي معًا، لوثريون وكاثوليك، في هذه الكاتدرائية ونحن ندرك أننا بدون الله لا يمكننا أن نعمل شيئًا؛ لنطلب مساعدته لنكون أعضاء حيّة متّحدة به، يحتجون دائمًا لنعمته ليتمكنوا من أن يحملوا معًا كلمته للعالم الذي يحتاج لحنانه ورحمته.
إذاعة الفاتيكان.