استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس في قاعة الكونسيستوار في القصر الرسولي بالفاتيكان جماعة مجلّة "La Civiltà Cattolica" الإيطاليّة بمناسبة صدور عددها رقم 4000 وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال:
إنه لهدف فريد بالفعل: لقد أتمّت المجلّة رحلة خلال 167 سنة وهي تتابع إبحارها بشجاعة في عُرض البحر. إبقوا في عُرض البحر! إذ لا ينبغي على الكاثوليكي أن يخاف من عرض البحر ويبحث عن ملجأ في الموانئ الأمينة. لاسيّما أنتم، كيسوعيّين، تجنّبوا التمسُّك بضمانات معيّنة لأن الربّ يدعونا للخروج والذهاب إلى العرض.
أنتم لا تُبحرون وحدكم. إن سلفاي الطوباوي بيوس التاسع وبنتدكتس السادس عشر، عندما التقيا بكم، أعلنا مرارًا أنكم تبحرون في سفينة بطرس، وهذا الرابط بالحبر الأعظم هو ميزة أساسيّة لمجلّتكم. أنتم في سفينة بطرس وبالتالي ينبغي عليكم أن تكونوا مُجذّفين خبراء وشجعان: جذّفوا إذًا وكونوا أقوياء حتى عندما تكون الرّياح معاكسة! جذِّفوا في خدمة الكنيسة ولنجذِّف معًا! هذا هو الرّابط بيني وبينكم، وأعبّر لكم عن رغبتي لا بأن يتمَّ الحفاظ على هذا الرابط وحسب وإنّما أن يُعزز ويُقوّى أيضًا.
لقد علِمت أن أسلافكم كانوا يحبّون أن تتم تسميتهم بالـ"عمال". تُعجبني هذه التسمية المتواضعة والفعالة لأن القدّيس إغناطيوس يريدنا عمالاً في الكرمة الروحيّة. أنا أعمل بشكل معين وأنتم تعملون بشكل آخر ولكننا نعمل معًا. ما أكثر الأمور التي حصلت خلال 167 سنة للمجلّة وكُتبت في أعدادكم، ولدى صدور الأعداد 1000 و2000 و3000 التقيتم بالبابوات لاوون الثالث عشر وبيّوس التاسع عشر وبولس السادس، وها أنتم اليوم معي! وبالتالي أنا أؤكِّد على تسليم مجلّة "La Civiltà Cattolica" للأب العامّ من أجل الرسالة المميّزة التي تقوم بها مجلّتكم في خدمة الكرسي الرسولي بشكل مباشر.
وهذه الرسالة – ولأول مرّة بعد 167 سنة – تتوسّع أبعد من حدود اللغة الإيطاليّة، ولذلك أبارك بفرح إصدارات "La Civiltà Cattolica" باللغات الإسبانيّة والإنكليزيّة والفرنسيّة والكوريّة. إنّه تطور أراده أسلافكم منذ المجمع الفاتيكاني الثاني ولكن لم يتم تحقيقه من قبل.
إن هذه المرحلة الجديدة ستساهم أيضًا في توسيع آفاقكم وفي الحصول على مقالات كتبها يسوعيّون من مختلف أنحاء العالم. إن الثقافة الحيّة تتوق إلى الانفتاح والاندماج والتزايد والمشاركة والحوار والمبادلة بين الشعوب التي تدخل في علاقات مع بعضها البعض. وبالتالي فإن "La Civiltà Cattolica" ستكون على الدوام مجلّة أكثر انفتاحًا على العالم وسيشكّل هذا الأمر بالنسبة لكم أسلوبًا جديدًا لعيش رسالتكم الخاصّة.
وما هي هذه الرّسالة الخاصّة؟ أن تكون مجلّة كاثوليكيّة! ولكي تكون مجلّة كاثوليكيّة فهذا لا يعني مُجرّد الدفاع عن الأفكار الكاثوليكيّة كما ولو كانت الكاثوليكيّة فلسفة معيّنة. لا! إذ لا ينبغي أن تظهر "La Civiltà Cattolica" كأحدِ أغراض "السكرستيا"، لأنّ المجلة تكون "كاثوليكيّة" فعلاً فقط إن كانت تملك نظرة المسيح على العالم وإن نقلتها وشهِدت لها.
وفي لقائي معكم لثلاث سنوات خلت قدّمت لكم رسالتكم من خلال كلمات ثلاث: حوار، تمييز وحدود واليوم أعيد التأكيد عليها. وفي المعايدة التي أرسلتها لكم بمناسبة صدور عددكم رقم 4000 استعملتُ صورة الجسر لأنّه يطيب لي أن أرى "La Civiltà Cattolica" كمجلّة تكون في الوقت عينه جسرًا وحدودًا. أمّا اليوم فأريد أن أضيف بعض التأملات لنتعمّق معًا بما دعاه مؤسّسوكم "المخطط التأسيسي" للمجلّة.
الكلمة الأولى هي القلق.
سأطرح عليكم سؤالاً: هل حافظ قلبك على قلق البحث؟ وحده القلق يمنح السّلام لقلب اليسوعيّ. بدون قلق نحن عقيمين. إن أردتم أن تُقيموا على الجسور والحدود عليكم أن تتحلّوا بأذهان وقلوب قلقة. أعطيكم شفيعًا في هذا الإطار القدّيس بييترو فافر، رجل ذو أحلام كبيرة وروح قلق لم يكن يكتفي أبدًا ورائد في العمل المسكونيّ.
لقد كان يعتبر أنّ الرّوح الحقيقيّ الذي يحرّك العمل يظهر فقط إزاء الصّعوبات. إنّ الإيمان الأصيل يتضمّن على الدوام رغبة عميقة في تغيير العالم. وبالتالي ينبغي علينا أن نطرح هذه الأسئلة على أنفسنا: هل نملك طموحات كبيرة ودفع؟ هل نحن شجعان؟ أم أننا نرضى بما هو دون المستوى؟ على مجلّتكم أن تتيقَّن لجراح هذا العالم وتجد العلاج لها. ولتكن كتابة تتوق لفهم الشرّ وإنّما تسكب الزيت أيضًا على الجراح المفتوحة وتداويها. لقد كان بييترو فافر يسير على قدميه ومات شابًا من التعب تتآكله الرّغبة في تقديم مجد أعظم لله. أمّا أنتم فتسيرون بذكائكم القلق الذي تترجمونه بتأمّلات مفيدة لبناء عالم أفضل وملكوت الله.
أمّا الكلمة الثانية فهي النقص وعدم الاكتمال.
إنّ الله هو الإله العظيم الإله الذي يفاجئنا على الدوام. لذلك عليكم أن تكونوا على الدوام كُتّابًا وصحافيين ذوي فكر ناقص وغير مكتمل أي منفتح لا منغلق ومتشدِّد. إن إيمانكم يفتح فكركم، إسمحوا لروح الإنجيل النبويّ أن يقودكم لكي تتحلّوا بنظرة مميّزة وحيويّة لاسيّما اليوم في عالم معقّد ومليء بالتحديات حيث تنتصر ثقافة الإقصاء. لذلك أعطيكم كمرجعيّة صورة خادم الله الأب ماتيو ريتشي. لقد ألّف خريطة كبيرة للعالم باللغة الصينيّة تصوّر جميع القارات والجزر التي كانت معروفة في تلك الفترة سمحت للشّعب الصيني بأن يرى بأسلوب جديد الأراضي البعيدة ويتعرّف عليها بشكل مقتضب. وأنتم مدعوّون من خلال مقالاتكم لتألّفوا "خريطة للعالم": أظهروا الاكتشافات الحديثة وعلّموا معنى الحضارة الكاثوليكيّة وعلِّموا الكاثوليك أيضًا أن الله يعمل أيضًا خارج الكنيسة في كلّ حضارة حقيقيّة من خلال نفحة روحه.
أمّا الكلمة الثالثة فهي خيال.
إنّه زمن التمييز في الكنيسة والعالم، والتمييز يتحقـّق على الدوام في حضور الربّ بالنظر إلى العلامات والإصغاء إلى ما يحدث. إن حكمة التمييز تُخلِّص من غموض الحياة. لكن ينبغي علينا أن ندخل في الغموض على مثال الربّ الذي اتّخذ جسدنا. إن الفكر القاسي والمتشدّد ليس من الله لأن يسوع قد اتخذ جسدنا الذي لا يصبح قاسيًا إلا عند الموت. إن من يملك الخيال لا يمكنه أن يصبح قاسيًا ومتشدّدًا، هو يملك روح الفكاهة ويتحلّى بالرّحمة والحريّة الداخليّة، وبالتالي هو قادر على أن يُشرِّع آفاقـًا واسعة حتى في فسحات ضيّقة كما فعل الأخ أندريا بوتزو من خلال لوحاته الفنيّة. هكذا أنتم أيضًا إزرعوا في مجلتكم فسحة للفن والأدب والسينما والمسرح والموسيقى لأنّه ينبغي على الكنيسة أن تستعيد العبقريّة وتفهم بشكل أفضل كيف يفهم الإنسان نفسه لتطوّر وتعمّق تعليمها.
أتمنى أن تبلغ "La Civiltà Cattolica"، بنسخاتها اللغوية العديد من القرّاء. ولتعضد الرّهبنة اليسوعيّة هذا العمل العريق والثمين لا بل الفريد في خدمة الكرسيّ الرسوليّ، ولتكن سخيّة في تزويدها بيسوعيين كفوئين ولتنشرها حيث ترى ذلك ملائمًا. أشكركم على الشهادة التي تقدّمونها وأكلكم جميعًا إلى شفاعة العذراء مريم سيّدة الدرب والقدّيس يوسف وأمنحكم بركتي الرسوليّة.
إذاعة الفاتيكان.