استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في المجمع العام لرهبنة الدومينيكان وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحَّب بها بضيوفه وقال:
"هذه السنة تحمل معنى مميّزًا لعائلتكم الرهبانيّة التي تحتفل بالذكرى المئويّة الثامنة على مصادقة البابا هونوريوس الثالث على رهبنة الواعظين. وبمناسبة هذا اليوبيل أتّحد معكم في رفع الشكر لله على العطايا الوافرة التي نلتموها خلال هذه السنوات.
إنّ المئويّة الثامنة تحملنا على تذكُّر رجال ونساء إيمان وكلمات، تأمُّليين ومرسلين، شهداء ورسلاً للمحبّة حملوا لمسة الله وحنانه إلى كلّ مكان وأغنوا الكنيسة مُظهرين إمكانيّات جديدة لتجسيد الإنجيل من خلال البشارة والشّهادة والمحبّة: ثلاثة أعمدة تضمن مُستقبل الرّهبانيّة وتُحافظ على نضارة الموهبة التأسيسيّة.
لقد دفع الله القدّيس دومينيك ليؤسّس "رهبنة الواعظين" لأنّ البشارة هي الرّسالة التي حمّلها يسوع للرّسل. إنّ كلمة الله هي التي تشتعل في داخل المرء وتدفعه للخروج لإعلان يسوع لجميع الشعوب. لقد كان الأب المؤسِّس يقول على الدوام: "التأمّل أوّلاً ومن ثمّ التعليم"، مُبشَّرون من الله لنُبشِّر؛ فبدون الاتّحاد الشخصي معه، يمكن للبشارة أن تكون كاملة ومُدهشة، ولكنّها لن تلمس أبدًا القلب الذي يجب عليها أن تحوّله.
إن نقل كلمة الله بشكل فعّال يتطلّب الشهادة: معلمون أمناء للحقيقة وشهود شجعان للإنجيل. إنّ الشّاهد يجسّد التعليم ويجعله ملموسًا فلا يترك أحدًا غير مبال لأنّه يضيف على الحقيقة فرح الإنجيل ذاك الذي ينبع من معرفتنا بأنّنا محبوبون من الله وأنّنا غاية رحمته اللامتناهية.
لقد كان القدّيس دومينيك يقول لأتباعه: "لنخرج للتبشير حفاة الأرجل"، تذكرنا هذه الكلمات بحدث العليّقة المشتعلة عندما قال الله لموسى: "إخلَع حِذاءكَ مِن رِجلَيكَ، لأنَّ المَوضِعَ الَّذي أنتَ واقِفٌ علَيهِ أرضٌ مُقَدَّسَةٌ" (خروج ٣، ٥). إن المبشّر الصالح يدرك أنه يتحرّك في أرض مقدّسة، لأن كلمة الله التي يحملها معه هي مقدّسة بذاتها وهي موجّهة لأشخاص مقدّسين أيضًا.
إنّ البشارة والشّهادة تتمّان دائمًا في المحبّة، وبدونها تفقدان مصداقيتهما. لقد عاش القدّيس دومينيك أزمة في بداية حياته وقد طبعت حياته كلّها: "كيف يمكنني أن أنصرف للدراسة فيما جسد المسيح يتألّم"، إن جسد المسيح الحيّ والمتألّم هو الذي يصرخ للمبشّر ويحثّه. وإذ ننظر من حولنا نتأكّد أن رجال ونساء اليوم متعطّشون لله، إنّهم جسد المسيح الحيّ الذي يصرخ "أنا عطشان" لكلمة حقيقيّة ومُحرّرة، لتصرُّف أخوي وللحنان.
هذه الصَّرخة تسائلنا وينبغي عليها أن تعضد الرسالة وتعطي الحياة للهيكليات والبرامج الراعويّة. فبقدر ما نخرج لإرواء عطش القريب سنصبح أكثر فأكثر مبشّرين للحقيقة، تلك الحقيقة المُعلنة محبّة ورحمة، والتي تتحدّث عنها القدّيسة كاترين السيانيّة.
بقلب ممتنّ على الخير الذي نلتموه من الرَّبِّ لرهبانيتكم والكنيسة، أحثّكم كي تتبعوا بفرح الموهبة التي أوحي بها للقدّيس دومينيك والتي عاشها العديد من القدِّيسين والقدِّيسات في العائلة الدومينيكانيّة. لتشفع لكم أمّنا العذراء سيّدة الورديّة ولتحفظكم كي تكونوا مبشّرين وشهودًا شجعان لمحبّة الله.
إذاعة الفاتيكان.