البابا فرنسيس يختتم زيارته إلى بنغلاديش

متفرقات

البابا فرنسيس يختتم زيارته إلى بنغلاديش

 

 

البابا فرنسيس يختتم زيارته إلى بنغلاديش

 

 

 

 

اختتم قداسة البابا فرنسيس زياته الرسولية إلى بنغلاديش هذا السبت الثاني من كانون الأول ديسمبر بلقاء مع الشباب في معهد نوتردام في دكّا. ووجه كلمة للمناسبة قال فيها

 

أيها الشباب، أيها الأصدقاء الأعزّاء، مساء الخير!

 

إنّي أشكركم جميعًا على استقبالكم الحارّ. أشكر مونسينيور جيرفاز [روزاريو] على كلماته اللطيفة، وأوبازانا وأنطوني على شهادتهما. هناك أمرٌ فريدٌ عند الشباب: أنتم دومًا مفعمون حماسًا. وهذا أمر جميل! وأنا أشعر اني أجدّد شبابي كلّما ألتقي بكم. أوبازانا، لقد تكلّمتِ عن هذا الأمر في شهادتك، وقلتِ أنك حقًّا “جدّ متحمّسة” وأنا أقدر أن أرى ذلك وأن أدركه أيضًا.

 

هذا الحماس الشبابي يرتبط بروح المغامرة. وقد عبّر عنه أحد شعرائكم الوطنيين، كازي نصر الإسلام، إذ عرّف عن شباب البلاد عن أنهم “لا يعرفون الخوف”، “معتادون على استخراج النور من رحم الظلام”. هذا جميل! الشباب هم دومًا مستعدّون للمضيّ قدمًا، ولجعل الأمور تتحقّق، وللمجازفة. إني أشجّعكم للمضيّ قدمًا بهذا الحماس في الأوضاع الجيّدة كما وفي السيئة. المضيّ قدمًا، ولا سيّما في الأوقات التي تشعرون فيها بثقلِ المصاعِب وبالحزن، ويبدو الله لكم، إذ نظرتم حولكم، وكأنه لا يظهر في الأفق.

 

لكن، إذ تمضون قدمًا، تأكّدوا من أنكم اخترتم السبيل الصحيح. ما يعني هذا؟ يعني أن نعرف كيف “نسافر” في الحياة، لا أن نهيم على أوجهنا دون هدف. أطرح عليكم سؤالًا: “وأنتم، هل تسافرون أو تهيمون على أوجهكم؟ ماذا تفعلون. هل تسافرون أو تهيمون على أوجهكم؟”. حياتنا ليست بدون اتّجاه؛ لها هدف، هدف أعطانا إياه الله. وهو يقودنا ويوجّهنا بنعمته. وكأنه أنزل في داخلنا برمجيّات تساعدنا على تمييز برنامجه الإلهيّ وعلى الإجابة عليه بحرّي

 

 ولكن، على غرار جميع البرمجيات، هي أيضًا بحاجة إلى تحديثها باستمرار. اسهروا على تحديث برمجياتكم، عبر إصغائكم للربّ ومن خلال قبولكم تحدّي القيام بمشيئته. تحديث البرمجيات. فمن المحزن ألا يتم تحديث البرمجيات؛ ومن المحزن أكثر عندما يكون هناك خلل أو إن كانت عديمة الفائدة.

 

أنطوني، لقد أشرت إلى هذا التحدّي أثناء شهادتك عندما قلت إنكم رجال ونساء “تنشؤون في عالم هشّ يتطلّب الحكمة”. لقد استخدمت كلمة حكمة، وباستعمالك إياها قد أعطيتنا المفتاح. عندما ننتقل من “السفر” إلى الهيام على وجهنا دون هدف، تضيع الحكمة بأكملها! فالأمر الوحيد الذي يوجّهنا ويجعلنا نتقدّم في الطريق الصحيح إنما هي الحكمة، الحكمة التي تولد من الإيمان.

 

ليست حكمة هذا العالم الكاذبة. إنها الحكمة التي نراها في أعين والدينا وأجدادنا، الذين وضعوا ثقتهم بالله. ويمكننا، كمسيحيّين، أن نرى في أعينهم نور حضور الله، النور الذي اكتشفوه في يسوع، والذي هو حكمة الله بذاتها ( 1 قور 1، 24). وكي ننال هذه الحكمة، علينا أن ننظر إلى العالم وإلى أوضاعنا ومشاكلنا وإلى كلّ شيء، بأعين الله. وننال هذه الحكمة حين نبدأ بالنظر إلى الأمور بأعين الله، وبالإصغاء للآخرين بأذني الله، وبالمحبّة بقلب الله، وبتقدير الأمور بقيم الله.

 

وتساعدنا هذه الحكمة لتمييز وإبعاد الوعود الكاذبة بالسعادة. وهي كثيرة! فالثقافة التي تقوم بوعود كاذبة لا تستطيع أن تحرّر، إنما تؤدّي إلى الأنانيّة التي تملأ القلب بالظلام وبالمرارة. أمّا حكمة الله، فتساعدنا على معرفة كيف نقبل أولئك الذين يتصرّفون ويفكّرون بشكل مختلف عنّا. وهو لأمر محزن عندما نبدأ بالانغلاق على عالمنا الصغير، وننغلق على أنفسنا. فنتبنّى مبدأ “كما أقول أنا أو مع السلامة”. وهذا مبدأ غير صالح: “كما أقول أنا أو مع السلامة”. هذا لا يساعد. عندما نطبق هذا المبدأ، ننغلق على أنفسنا. عندما يصبح شعبٌ أو دينٌ أو مجتمعٌ “عالمًا صغيرًا”، يفقد أفضل ما عنده ويقع في عقليّة الغرور، عقليّة الـ “أنا صالح وأنت شرير”.

 

وأنتِ أوبازانا، لقد أبرزتِ عواقب هذه الطريقة بالتفكير، حين قلتِ: “نفقد الاتّجاه ونفقد أنفسنا” و”تصبح الحياة بالنسبة إلينا دون معنى”. أحسنتِ القول! إن حكمة الله تجعلنا ننفتح على الآخرين. وتساعدنا على أن ننظر أبعدَ من راحتنا الشخصيّة والضمانات الكاذبة التي تفقدنا النظر إزاء المُثُل العليا التي تجعل الحياة أجمل وتستحقّ أن تُعاش.

 

أنا سعيدٌ لأنّه هناك معنا اليوم، جنبًا إلى جنب مع الكاثوليك، العديدُ من الشبّان الأصدقاء المسلمين والمنتمين إلى أديان أخرى. فأنتم تُظهِرون عبر حضوركم معًا اليوم هنا عزمَكم على تعزيز جوٍّ من الانسجام، حيث يمدّ بعضكم يده للبعض الآخر، على الرغم من الاختلافات الدينية. وهذا يذكّرني بخبرة عشتها في بوينس آيرس في رعيّة جديدة واقعة في منطقة فقيرة للغاية. كانت مجموعة من الطلاب تبني بعضَ الغرف للرعيّة ودعاني كاهن الرعيّة للذهاب للقائهم. فذهبت وعند وصولي إلى الرعية قدّمهم لي كاهن الرعيّة واحدًا تلوَ الآخر قائلًا: “هذا المهندس، هو عبريّ، وهذا شيوعيّ، وذاك كاثوليكيّ ملتزم” (تحية البابا إلى شبيبة مركز الأب ف. فاريلا الثقافي، هافانا، 20 سبتمبر / أيلول 2015).

 

كان هؤلاء الطلاب مختلفين، لكنهم كانوا يعملون جميعًا للصالح العام. وهذا مهم للغاية! لا تنسوا: مختلفين، إنما يعملون للصالح العام بانسجام! أفهمتم؟ وهذا هو الانسجام الجميل الذي نراه هنا في البنغلاديش. هؤلاء الطلاب، المختلفين فيما بينهم، كانوا منفتحين على الصداقة الاجتماعية وعازمين على رفض كلّ ما كان يمكن أن ينأى بهم عن أن يكونوا معًا وأن يساعدوا بعضهم بعضا.

 

إن حكمة الله تساعدنا أيضًا على النظر أبعد من ذواتنا كي ندرك صلاح تراثنا الثقافي. وثقافتكم تعلّمكم احترام الشيوخ. وهذا أمر مهم للغاية! فالشيوخ، كما قلت سابقًا، يساعدوننا في تقدير استمراريّة الأجيال. فهم يحملون معهم الذاكرة والحكمة التي تنتج عن الخبرة، والتي تساعدنا على تفادي تكرار أخطاء الماضي. ولدى الشيوخ “موهبة سدّ الفجوات”، لأنهم يضمنون نقل أهمّ القيم للأبناء وللأحفاد.

 

ونفهم، من خلال كلامهم، ومحبّتهم، وحضورهم، أن التاريخ لم يبدأ معنا، بل أننا جزء من “سفر” عتيق وأن الواقع هو أكبر منّا. تكلّموا مع والديكم ومع أجدادكم، لا تمضوا النهار بأسره مع الهواتف الخليوية، متجاهلين العالم من حولكم! تكلموا مع أجدادكم، فسوف يهبوكم الحكمة.

 

أوبازانا وأنطوني، لقد ختمتم شهاداتكم بكلام رجاء. حكمة الله تقوّي الرجاء فينا وتساعدنا على مواجهة المستقبل بشجاعة. ونجد، نحن المسيحيين، هذا الرجاء في لقائنا الشخصيّ بيسوع عبر الصلاة والأسرار، وفي اللقاء الملموس به في الفقراء، والمرضى، والمتألّمين والمتروكين. ونكتشف في يسوع تضامنَ الله، الذي يسير باستمرار إلى جنبنا.

 

حين أنظر إلى وجوهكم، أيها الشباب الأعزاء، والأصدقاء الأعزاء، أمتلئ بالفرح والرجاء: فرح ورجاء لكم، ولبلدكم، وللكنيسة، ولمجتمعاتكم. ولتستمرّ حكمة الله أن تلهم جهدكم في النموّ بالمحبّة والأخوّة والصلاح. وفيما أترك اليوم بلدكم، إني أؤكّد لكم صلاتي كيما تنموا جميعكم بمحبّة الله والقريب. ومن فضلكم، لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي.

 

الله يبارك البنغلاديش! [إيشور بنغلاديش أشيرباد كورون]

 

 

موقع الكرسي الرسولي.