استعادة الجذور

متفرقات

استعادة الجذور

 

استعادة الجذور

 

 

 

 

"إنّ الشّخص الذي يستعيد جذوره هو شخص سعيد ولكنّ الشّخص الذي ينفي نفسه بشكلٍ نفسيّ يسبِّب أذى كبيرًا" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الخميس في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان وحثَّ الجميع كي يستعيدوا انتماءهم.

 

استهلّ الأب الأقدس عظته انطلاقـًا من سفر نحميا (8/ 1 -12) والتي تصف "جماعة ليتورجيّة كبيرة" إذ تخبرنا أنَّ الشَّعبُ كُلُّهُ قد اجتمع كَرَجُلٍ واحِدٍ في السّاحَةِ الَّتي أَمامَ بابِ المِياه في أورشليم، لقد كان ذلك في نهاية قصّة دامت أكثر من سبعين سنة، إنّها قصة السبي إلى بابل وبالتالي قصّة بكاء ونوح على شعب الله.

 

تابع الأب الأقدس مذكّرًا بالمزمور الـ137 والذي نقرأ فيه "على أنهار بابل هناك جلسنا وبكينا" لم يكن بإمكانهم أن ينشدوا أو يعزفوا كنّاراتهم وأشار البابا في هذا السّياق إلى حنين المهاجرين البعيدين عن أوطانهم ويريدون العودة.

 

لقد كان نحميا يستعدُّ ليعود ويُعيد الشّعب إلى أورشليم؛ إنّه سفر صعب لأنّه كان عليه أن يقنع العديد من النّاس ويحملوا معهم المواد من أجل بناء المدينة والجدران والهيكل ولكنّه بشكلٍ خاص سفر لاستعادة جذور الشّعب، إذ كانت قد ضعفت بعد هذه السنوات الطويلة، واستعادة الجذور تعني استعادة الانتماء، لأنّه بدون الجذور لا يمكننا العيش والشّعب الذي لا جذور له أو يترك جذوره هو شعب مريض.

 

أضاف البابا فرنسيس يقول إنَّ الشخص الذي لا جذور له أو الذي نسي جذوره هو شخص مريض، واستعادة الجذور أو إعادة اكتشافها يساعدنا لنأخذ القوّة لنسير إلى الأمام والقوّة لنعطي ثمار، كما يقول أحد الشّعراء: "إنّ الشّجرة لتزهر تستمد قوّتها ممّا تملكه تحت التراب" وهذه هي العلاقة أيضًا بين الجذور والخير الذي يمكننا القيام به.

 

لكنَّ هذه المسيرة قد واجهت الكثير من المقاومة، وهذه المقاومة كانت من قبل الأشخاص الذين كانوا يفضّلون المنفى، وعندما يغيب المنفى المادّي والملموس هناك المنفى النفسيّ إذ ينفي الإنسان نفسه من الجماعة والمجتمع، وهؤلاء هم الأشخاص الذين يفضّلون أن يكونوا شعبًا بدون جذور. لكن يجب علينا أن نفكّر جيدًّا في مرض نفي النفس هذا لأنّه يسبّب أذى كبيرًا، يقتلعنا من جذورنا ومن انتمائنا.

 

 لكن الشّعب سار قدمًا إلى اليوم الذي أنهى فيه البناء، فاجتمع الشّعب ليستعيد جذوره أي ليُصغي إلى كلمة الله التي كان عزرا يقرؤها وبكى الشّعب عندها أيضًا ولكنّه لم يكن كبكاء بابل بل كان بكاء الفرح للقائه بجذوره وانتمائه. وعِندَ سَماعِهِم كَلِماتِ التَّوراة. َقالَ لَهُم عزرا: "أُمضوا، كُلوا المُسَمَّنات، وَاشرَبوا الحُلوَ، وَوَزِّعوا حِصَصًا عَلى الَّذينَ لَم يُهَيَّأ لَهُم. لأنَّهُ يَومٌ مُقَدَّسٌ لِرَبِّنا. فَلا تَحزَنوا: لأنَّ فَرَحَ الرَّبِّ قُوَّتُكُم". هذا هو فرح من استعاد جذوره.

 

 إنَّ الشخص الذي يستعيد جذوره والأمين لانتمائه هو شخص يعيش بالفرح وهذا الفرح هو قوّته. ينتقل من بكاء الحزن إلى بكاء الفرح، من بكاء الضعف بسبب البعد عن الجذور إلى بكاء الإنتماء كمن يقول "عدتُ إلى البيت".

 

ولذلك دعا البابا جميع المشاركين في الذبيحة الإلهيّة كي يقرؤوا الفصل الثامن من سفر نحميا ويسألوا أنفسهم إن كانوا قد تركوا ذكرى الرّبّ هل يفضّلون البدء في مسيرة لاستعادة جذورهم أم يفضّلون المنفى النفسيّ والانغلاق على ذواتهم.

 

إن كنا نخاف من البكاء فنحن نخاف أيضًا من الضّحك لأنّنا بعد أن نبكي حزنًا سنبكي فرحًا، لذلك ينبغي علينا أن نطلب من الرَّبِّ نعمة بكاء الندامة والحزن على خطايانا وإنّما أيضًا نعمة بكاء الفرح لأنَّ الرب قد سامحنا وصنع في حياتنا ما صنعه في حياة شعبه، وأخيرًا أن نطلب نعمة الإنطلاق في المسيرة لكي نستعيد جذورنا.

 

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.