"لكي نحبَّ الله بشكلٍ ملموسٍ علينا أن نحبَّ الإخوة أي أن نصلّي من أجلهم، أكانوا لطفاء أو بغضاء، وأن نصلّي من أجل الأعداء أيضًا وألا نفسح المجال لمشاعر الغيرة والحسد وللثرثرة التي تدمّر الأشخاص" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهي صباح يوم الخميس في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان وأكّد أنَّ ما يعطينا القوّة لنحبَّ بهذه الطريقة هو الإيمان الذي يتغلّب على روح العالم الكاذب والذي يقسّم.
استهلّ الأب الأقدس عظته انطلاقًا من رسالة القدّيس يوحنّا الأولى (4/ 19 - 21 ، 5/ 1 -4) والتي يتحدّث فيها عن روح العالم إذ يقول "كُلَّ ما وُلِدَ للهِ يَغلِبُ العالَم" مشيرًا إلى الجهاد اليومي ضدّ روح العالم الكاذب، إنّه روح مظاهر بدون تماسك، فيما أنَّ روح الله هو صادق. روح العالم هو روح الكبرياء والأمور التي لا تملك القوّة ولا الأساس، الأمور التي تسقط. إنّ روح العالم هو "مليء بالهواء" ويخدع لأنّه ابن أب الكذب.
يقدّم لنا الرَّسول درب واقعيَّة روح الله التي لا تقوم على الكلمات وإنّما يتطابق فيها القول والفعل. فإن كنت تملك روح الله فستقوم بأمورٍ صالحة. ويتحدّث يوحنّا الرّسول عن أمرٍ يوميّ إنَّ "الَّذي لا يُحِبُّ أَخاهُ وهو يَراهُ، لا يَستَطيعُ أَن يُحِبَّ اللهَ وهو لا يَراه"، إن لم تكن قادرًا على محبّة ما تراه فكيف يمكنك أن تحبَّ شيئًا لا تراه؟ وبالتالي يكون قولك مجرّد كلمات فارغة.
وحثَّ البابا المؤمنين في هذا السياق على عيش المحبّة وقال إنَّ هذا الشخص الذي تراه ويمكنك أن تلمسه هو شخص حقيقيّ، وليس خيالاً لا تراه. وإن لم تكن قادرًا على محبّة الله بشكلٍ ملموس فأنت لا تحبّ الله فعلاً. وروح العالم الذي هو روح انقسام، إذ يختلط في العائلة أو الجماعة أو المجتمع يخلق انقسامًا على الدوام، وتنمو الانقسامات ويليها الحقد والحروب... لكن القدِّيس يوحنّا يذهب أيضًا أبعد من ذلك ويقول: "إِذا قالَ أَحَد: «إِنِّي أُحِبُّ الله» وهو يُبغِضُ أَخاهُ، كانَ كاذِبًا" أي ابناً لروح العالم الذي ليس إلّا كذبًا صرفًا ومجرّد مظاهر. وبالتالي يشكّل هذا القول دعوة لنا للتفكير: هل أحبّ الله؟ ولنذهب في إجابتنا إلى المقارنة لنرى كيف نحبّ إخوتنا وبالتالي كيف نحبّ الله.
توقّف بعدها البابا فرنسيس في عظته عند المؤشرات التي تدلُّ على أنّنا لا نحبّ إخوتنا وقال يمكننا أن نبتسم بأشكال عديدة حتى في السيرك نجد مهرِّجين يضحكون ولكنّهم غالبًا ما يبكون في قلوبهم، ولذلك دعا الأب الأقدس للصلاة من أجل القريب، ولاسيَّما من أجل ذلك الشخص الذي لا أستلطفه وأعرف جيّدًا أنّه لا يحبّني، وإنّما أيضًا من أجل الشخص الذي يكرهني ومن أجل عدوي كما قال يسوع؛ وبالتالي إن لم أكن أصلّي فهذا مؤشر أوّل بأنني لا أحبّ.
المؤشر الأوّل هو سؤال ينبغي علينا أن نطرحه جميعنا على أنفسنا: هل أصلّي من أجل الأشخاص؟ هل أصلّي من أجلهم جميعًا أي من أجل اللطفاء والبغضاء، والأصدقاء والأعداء. أمَّا المؤشر الثاني فهو السؤال: عندما أشعر في داخلي بالحسد والغيرة تجاه الأشخاص فهل تجتاحني الرَّغبة في أن أتمنى لهم الشر؟ فهذا مؤشِّر أنّك لا تحبّ. وبالتالي توقّف ولا تسمح لهذه المشاعر بأن تنمو لأنّها خطيرة. أمَّا المؤشر اليومي والذي يشير إلى عدم محبّتي للقريب وبالتالي لعدم محبّتي لله فهي الثرثرة. لنضع هذا الأمر في قلوبنا وأذهاننا بشكل واضح: إن كنت أثرثر فأنا لا أحبُّ الله لأنني بالثرثرة أدمر الأشخاص. تبدو الثرثرة أمرًا جميلاً ولكنّها تدمر وهي العلامة بأنّك لا تحبّ. وعندما يتوقّف شخص ما عن الثرثرة في حياته، يكون قد أصبح قريبًا من الله، لأنَّ عدم الثرثرة هو حماية القريب وحراسته لا بل حماية الله في القريب.
يمكننا التغلّب على روح العالم هذا بواسطة روح الإيمان: الإيمان بأنّ الله موجود في أخي وأختي. إنَّ ما غَلَبَ العالَمَ هذِه الغَلَبةَ هو إِيمانُنا وبالتالي بواسطة الإيمان فقط يمكننا المضي على هذه الدرب أمَّا الأفكار البشريّة والفطنة فلا يفيدون، قد يساعدون نعم ولكنّهم لا يفيدون في هذا الجهاد. وحده الإيمان يمنحنا القوّة لكي لا نثرثر ونصلّي من أجل الجميع حتّى من أجل الأعداء ولكي لا نسمح بأن تنمو فينا مشاعر الغيرة والحسد.
يطلب منّا الرَّبّ بواسطة هذا النص من الرسالة الأولى للقدّيس يوحنّا أن نعيش الواقعيَّة في المحبَّة. علينا أن نحبَّ الله ولكن إن لم تكن تُحِبّ أخاك فلا يمكنك أن تحبَّ الله وإذا قلت أنّك تحبّ أخاك ولكنك في الحقيقة لا تحبّه وتكرهه فأنت كاذب.
إذاعة الفاتيكان.