«حين تصبح شيخًا». آية تحتمل عدّة تأويلات. الأوّل هو مسار الزمن الطبيعيّ. الشيخوخة تلي عمر الشباب: أنت الآن يا بطرس رجل، وستصير عجوزًا. الثاني هو مسار النضج. طيش الشباب يليه حكمة الشيوخ. الثالث هو مسار الروح، ولعلّه الأهم في نصٍّ يريد أن يكون روحيًّا. فيوحنّا الإنجيليّ (يو21/ 15-19) لم يدوّن روايته كأخبار، بل «لكي تؤمنوا». فغاية كتابته هي الإيمان. وما هو الإيمان المطلوب هنا؟
الإيمان هو ثقة بالله. استسلام واثق له. المؤمن لا يقود حياته بيده ويقول لله: انظر واحكم، بل يترك الله يقود حياته، حتّى وإن أراده الله أن يسلك طريقًا لا يرغبها ولا يتمنّاها، طريق صعب حرج ضيّق، وعلى كتفيه صليب ألم كان يمكن تفاديه لولا أنّ المؤمن اختار أن يتبع يسوع، واختار أن يقود الله حياته.
ويعرض يسوع على بطرس هذا الاختيار بعد أن نقّى فكره وسلّمه مسؤوليّة. وتنقية الفكر تمّت بطرح السؤال ثلاث مرّاتٍ: «أتحبّني»؟ في المرّة الأولى والثانية نسي بطرس خيانته، وأعلن نفسه وفيًّا: أجل، إنّي لا أحبّكَ وحسب، بل أحبّك أكثر ممّا يحبّك الآخرون. وفي المرّة الثالثة تمّ الإعتراف (التنقية).
وفي هذا الإعتراف شعور بالحزن، والندامة، وفي الآن نفسه تمسّك بالمحبّة: «أنت تعرف كلّ شيء»؛ تعرف ضعفي وخيانتي؛ وتعرف أيضًا إيجابيّاتي ورغبتي العميقة بالوفاء، وتعرف أنّ هذه الخيانة التي خنتك بها سقطة في لحظة ضعف وليست موقفًا إراديًّا يتوافق مع ما في داخلي ومع رغباتي العميقة.
«إرعَ خرافي!» إنّها المسؤوليّة، وممارستها تتطلّب حكمة. والحكمة نوعان: حكمة دنيويّة، حكمة هذا العالم، التي أساسها تأمين الرفاهية أو المناصب أو نَيل الحظوة في عيون الناس أو تفادي الصراع؛ وحكمة الله، التي أساسها تمجيد اسمه، ونَيل رضاه، وبالتالي الطاعة له ولرغباته، والمواجهة. والله أحقّ بالطاعة من الناس. ولكي نعيش هذه الطاعة لله، علينا أن نترك، حتّى مشيئتنا، لنعمل بمشيئته. أن نتركه يشدّ لنا الحزام ويقودنا.
هذه هي الخطوات الثلاث المطلوبة من تلميذ المسيح الشاهد لقيامته: الإقرار بالذنب والتألّم، سماع صوت المسيح يسوع يقول اذهب وتسلّم مسؤوليّة إعلاني البشارة، التواضع وطلب العون: يا ربّ أنا أريد أن تقود حياتي بحسب مشيئتك.