"إن قوة الكنيسة اليوم هي في الكنائس الصغيرة المُضطهدة" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح اليوم الاثنين في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان والتي تمحورت حول الشهداء؛ وأضاف مؤكِّدًا أن عدد شهداء اليوم هو أكثر من القرون الأولى لكن الإعلام لا يذكر هذا الأمر لأنه لا يثير الإهتمام، وحث البابا المؤمنين في هذا السياق على أن يتذكّروا جميع الذين يستشهدون.
استهلَّ الحبر الأعظم تأمّله الصباحي مذكّرًا أن لا وجود للرّجاء بدون ذكرى انطلاقًا من الرسالة إلى العبرانيين (11/ 32- 40) التي تحثنا على تذكّر تاريخ شعب الرّبّ.
إنها ذكرى طاعة أولاً، ذكرى طاعة العديد من الأشخاص بدءًا من إبراهيم الذي أطاع وخرج من أرضه بدون أن يعرف وجهته؛ وتقدّم لنا الرسالة إلى العبرانيين نوعين آخرين من الذكرى: ذكرى أعمال الرّبّ العظيمة التي حققها جدعون وباراق وشمشون وداود، أولئك الأشخاص الذين قاموا بأعمال عظيمة في تاريخ إسرائيل.
من ثمّ، هناك مجموعة أخرى من الأشخاص الذين ينبغي علينا إحياء ذكراهم وهم الشهداء الذين تألّموا وبذلوا حياتهم على مثال يسوع "رُجِموا وَنُشِروا وَقُتِلوا بِالسَّيفِ". فالكنيسة في الواقع هي شعب الله هذا، الخاطئ وإنما الطائع، والذي يقوم بأمور عظيمة ويقدِّم شهادة ليسوع المسيح حتى الاستشهاد.
إن الشهداء هم الذين يحملون الكنيسة قدمًا في مسيرتها وهم الذين يعضدونها، وكما عضدوها في الماضي هم يعضدونها اليوم أيضًا. إن عدد شهداء اليوم يفوق عددهم في القرون الأولى لكن الإعلام لا يذكر هذا الأمر لأنه لا يثير الاهتمام؛ هناك العديد من المسيحيين الذين يستحقّون الطوبى لأنهم يُضطهدون ويُهانون ويُسجنون، كثيرون منهم هم في السجن لمجرّد أنهم يعترفون بيسوع المسيح! هذا هو مجد الكنيسة وعضدنا وإنما خزينا أيضًا.
لا يمكنني أن أنسى شهادة ذاك الكاهن وتلك الراهبة في كاتدرائيّة تيرانا: سنوات طويلة من السجن والأعمال الشاقة والإهانات. إن قوة الكنيسة اليوم هي في الكنائس الصغيرة المُضطهدة. نحن أيضًا نفرح عندما نرى عملاً كنسيًّا كبيرًا يُلاقي نجاحًا كبيرًا، إنه أمر جميل وعلامة قوّة ولكن القوة الكبرى للكنيسة اليوم هي في الكنائس الصغيرة التي يُضطهد أبناءها ويُسجن أساقفتها. هذا هو مجدنا اليوم وهذه هي قوّتنا.
أجرؤ على القول إن كنيسة بدون شهداء هي كنيسة بدون يسوع، ودعا للصلاة من أجل الشهداء الذين يتألّمون كثيرًا ومن أجل الكنائس التي لا تملك حريّة التعبير: هذه الكنائس هي رجاءنا. وذكّر الأب الأقدس في هذا السياق بقول كاتب قديم: "إن دم المسيحيين، دم الشهداء، هو بذرة مسيحيين" لأنهم باستشهادهم وشهادتهم وآلامهم وبذلهم لحياتهم يزرعون مسيحيين للمستقبل وفي الكنائس الأخرى.
لنقدّم صلاتنا في هذه الذبيحة الإلهيّة على نيّة شهدائنا والذين يتألّمون اليوم وعلى نيّة الكنائس المتألّمة والتي لا تتمتّع بالحريّة، ولنشكر الرب على حضوره بقوّة روحه القدوس في إخوتنا وأخواتنا هؤلاء الذين يشهدون له اليوم.
إذاعة الفاتيكان.