من كان يظنّ...

القوت اليومي

من كان يظنّ...

لقد وهبنا الرب قوة قيامته، فأصبح "كل شيء مستطاع للمؤمن". وفي هذا قال بولس الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني"..

صرنا الآن لا نرى شيئًا صعبًا أو مستحيلًا بعد أن داس الرب الموت، ووهبنا النصرة عليه، وفتح لنا باب الفردوس المغلق. ووضع في أفواهنا تلك الأغنية الجميلة "أين شوكتك يا موت؟! أين غلبتك يا هاوية؟!

قوة القيامة أعطت التلاميذ شجاعة وجرأة في الكرازة.

من كان يظن أن هؤلاء الضعفاء المختبئين في العلية، يستطيعون أن ينادوا بالإنجيل بكل مجاهرة بلا مانع؟! من كان يظن أن إثني عشر رجلًا، غالبتهم من الصيادين الجهلة، يمكنهم أن يوصلوا المسيحية إلى أقطار المسكونة كلها..

ولكن القيامة علمتنا أنه لا يوجد شيء مستحيل..

عند الله، كل شيء ممكن.. ممكن أن جهال العالم يخزون الحكماء، وأن ضعفاء العالم يخزون الأقوياء..

كان يبدو من الصعب جدًا أن تقف المسيحية ضد الوثنية، وضد الديانات القديمة التي ثبتت جذورها في عقائد الناس، وضد اليهودية التي حاولت أن تقضي علي المسيحية أو تستوعبها. وضد الفلسفات التي كانت سائدة في ذلك الزمان، وضد الإمبراطورية الرومانية بكل طغيانها وقوتها المسلحة.

كان يبدو من الصعب أن تقف المسيحية ضد هذه القوى جميعها، وأن تنتصر عليها.. ولكن القوة التي أخذوها من قيامة المسيح وانتصاره على الموت، أعطتهم طاقة عجيبة..

من كان يظن أن بطرس الصياد الجاهل، يمكنه بعظة واحدة أن يحول ثلاثة آلاف يهودي إلى الإيمان المسيحي؟!

بالكاد يتمكن واعظ مشهور أن يحول -بعظة واحدة- بعض خطاة إلى التوبة، أما أن يغير ثلاثة آلاف شخص دينهم بسماع عظة، فهذا أمر يبدو كالخيال..

ولكنها القوة التي أخذها الرسل من الروح القدس، فغيرتهم قبل أن تغير الناس واستمرت معهم تعمل بهم الأعاجيب.

من كان يظن أن هؤلاء الرسل يذهبون إلى بلاد غريبة عنهم، لا يوجد فيها مسيحي واحد، ولا توجد فيها أية إمكانيات للخدمة، فيبدأون معها من الصفر، ويحولونها إلى المسيحية..؟!

ولكن قيامة المسيح علمتنا أنه لا يوجد شيء صعب أو مستحيل. فكل شيء مستطاع للمؤمن..

من كان يظن أن شاول الطرسوسي أكبر مضطهد للمسيحية في وقته، يتحول إلى بولس أكبر رسول بشّر بالمسيح..؟!

من كان يظن أن قائد المائة، رئيس الجند الذي صلبوا المسيح، يؤمن بالمسيحية ويستشهد بسببها، ويصير قديسًا؟!

من كان يظن أن اللص اليمين يؤمن وهو على الصليب؟!

ومن كان يظن أن إمرأة بيلاطس الوالي تؤمن، وترسل إلى زوجها متوسلة من أجل "هذا البار"؟!

ولكن بالنعمة كل شيء يصير ممكنًا، إن الله قادر علي كل شيء. إن الذي انتصر على أخطر عدو-وهو الموت-لا يصعب عليه شيء. كل شيء سهل أمامه..

من كل يظن أن مريم المجدلية التي كان فيها سبعة شياطين، تتحول إلى كارزة، وتبشر الرسل بالقيامة؟!

لكن قوة القيامة، جعلتنا نوقن أنه لا شي مستحيل..

وكما رأينا هذا في الكرازة، رأيناه أيضًا في التوبة:

إن قوة التوبة التي حولت أعظم الخطاة إلى أعظم القديسين، وليس إلى مجرد تائبين، علمتنا أنه لا شي مستحيل..

أقصى ما كان ينتظره الناس، أن يتوب أوغسطينوس الفاجر، أمّا أن يتحول إلى قديس تنتفع الأجيال بتأملاته، فهذا أمر صعب ما كان ينتظره أحد.

إن المسيحية ليست ديانة ضعف، بل هي ديانة قوة. إنها تعطي الإنسان طاقات عجيبة، وتلغي عبارة "المستحيل"..

البابا شنودة الثالث