معرفة ُ الله

القوت اليومي

معرفة ُ الله

 

 

 

 

 

قراءَةٌ من القدِّيس أغوسطينوس (+430).

 

 

أملُ أغوسطينوس الوحيد: معرفة ُ الله

 

 

       سوفَ أعرِفُكَ يا مَنْ تَعرِفُني، سوفَ أعرِفُكَ كما تَعرِفُني. أ ُدخُلْ إلى نَفسي يا قِوامَ نَفسي، واسْكُنْ فيها واملِكْ عليها وَحَوِّلها إليك، مُنَزَّهَة ً عَنْ كُلِّ عَيب. ذاكَ هُوَ رَجائي، ولذلكَ أتَكلّمُ وبِهذا الرَّجاءِ فرِحْتُ فرحاً لا يَشوبُهُ كَدَر. أمَّا ما سِواهُ مِن خُيورِ الدُنيا، فبِقدْرِ ما نَسكُبُ عليهِ مِن دُموع، يَبقى دونَهُ قدراً، وإنْ خَفَّفْنا مِن البُكاءِ عليه، نَراهُ يَستَحِقُّ الأكثر. أنتَ قدْ أحبَبتَ الحَقّ، لأنَّ مَنْ يَعمَلُ الحَقَّ يُقبِلُ إلى النور؛ ولِذا فإنّي أريدُ أنْ أعمَلَ  الحَقّ، في قلبي، أمامَك، باعتِرافاتي هذه، وأمامَ الشهودِ الكثيرين، بما اكتُبُهُ الآن.

 

 

       وَفضلا ً عن ذلك، أيُّها الرَّبّ، يا مَنْ تنكشِفُ دَوماً أمامَهُ لجّة ُ الوِجْدانِ البَشريّ، أيَّ شيءٍ لمْ أعتَرِفْ بهِ إليك، يَظلُّ فيَّ سرّا. أخْفيكَ أنتَ عَنْ نفسي، دون أن أقوى على إخفاءِ نفسي عنك. والآن، وقدْ شَهِدَتْ زَفراتي بما في نفسي من كراهيَةٍ لنَفسي، فقدْ أصبَحتَ نوري وفرحي وحُبِّي ورَغبَتي. ولذا فإنّي أخجَلُ مِنْ نَفسي وأطرَحُها جانِبا. وفيكَ، وَحدَكَ، أبتَغي رِضى نفسي ورِضاك.

 

 

       أظهَرتُ لكَ ذاتي يا ربّ، أنا أيّاً كُنتُ، وقُلتُ لكَ لأيَّةِ غايَةٍ أعتَرِفُ لكَ. واعترافاتي هذِهِ أقدِّمُها إليك، لا بألفاظٍ وأصواتٍ بلْ بِكلامِ النفس، بِهُتافِ الفِكرِ الذي تَعرِفُهُ أ ُذ ُنُكَ: إنْ كُنتُ شِرِّيراً فاعتِرافي لكَ هُوَ غَمٌّ وَكَرَبٌ وكَدَر، وإنْ كُنتُ صالِحاً فليسَ اعتِرافي تَمجيداً لِنَفسي. لأنَّكَ أنتَ أيُّها الرَبُّ تُبارِكُ البارَّ بعدَ تَبَرُّرِهِ مِنْ خَطيئتِه. وعليه، فإنَّ اعتِرافي إليكَ يا إلهي هُوَ اعتِرافٌ صامِتٌ وغيرُ صامِت: صوتي ساكِتٌ، وقلبي يَصرُخ. وكُلُّ حَقٍّ أتَكلّمُ بهِ أمامَ الناس، قدْ سَمِعْتَه مِنّي، ولا تَسمَعُ مِنّي إلّا ما سَبَقْتَ وعلّمتَني إيّاه.

 

 

(اعترافات، 10).