حياةُ الإيمان وحياة العيان

القوت اليومي

حياةُ الإيمان وحياة العيان

 

 

 

 

قراءةٌ من القديس أغوسطينوس (+ 430)

 

 

حياةُ الإيمان وحياة العيان

 

 

في الكنيسةِ نوعانِ مِن الحَياة: ألأوّلُ بالإيمان، والثاني بالعَيان؛ واحِدٌ لِزمانِ الغُربَة، والآخرُ لِزمانِ الخُلُود؛ واحِدٌ لِلشُغلِ والكدّ، والآخرُ لِلهُدوءِ والسُّكون؛ واحِدٌ لِلطَريق، والآخر لِلبلدِ الذي لا يَنتهي إليهِ الطريق؛ واحِدٌ لِجِهادِ العمل، والآخرُ هِبَةُ التأمُّل؛ واحدٌ لترْكِ الشّرِّ وعَمَلِ  الخَير، والآخرُ ليسَ فيهِ شَرٌّ يُترَكُ بَلْ خيْرٌ يُدرَك؛ واحدٌ في حَرْبِ العَدّو، والآخرُ بِلا حربٍ ولا عَدوّ؛

 

واحِدٌ يَنمو وَيَتَقوَّى بِالتّجارِبِ وَالمِحن، والآخرُ ليسَ فيه مَجالٌ لِلتَجْرِبَةِ ولا شعورٌ بِالمحنةِ؛ واحِدٌ يَمْتَطي شهْوَة اللّحْم، والآخرُ يَسيرُ وَراءَ الرّوح؛ واحِدٌ يَهْتَمُّ لِيَنالَ النّصْر، والآخَرُ يَحْيا في النّصرِ بِلا هَمّ؛ واحِدٌ يَسألُ المَعونَة في البليَّة، والآخَرُ يَحْيا غيرَ مُبالٍ بِالبَلايا، إذ يَكونُ في حِفظِ مَنْ يُعينُ وَقتَ الهُمومِ والبَلايا؛ واحِدٌ يُساعِدُ المُحْتاج، والآخرُ يَعيشُ بِلا حاجَة؛ واحِدٌ يَغفِرُ لِلمُذنِبِ إليهِ ليُغفَرَ ذنبُهُ، والآخرُ لا يَشْعُرُ بِأنَّ أحَداً قدْ أذنَبَ إليه، أو هُوَ أذنبَ إلى أحد؛

 

واحِدٌ يُمتحَنُ بِالشَّرِّ لئلا يَسْتَعلي بِالخير، والآخرُ لا يُؤدَّبُ، لأنّهُ، بِالنِعمَةِ، يَلتَصِقُ بِالخيرِ الأعْظَم؛ واحِدٌ يُميِّزُ  الخَيرِ من الشرّ، والآخرُ يَرى الخَيرَ في كُلِّ شيء.

 

 

 فالأوَّلُ حَسَن، ولكنّهُ لا يزالُ يَشقى؛ أمَّا الآخرُ فأحْسَنُ وَيَبْقى حَسَنا.